أغلب الشباب لا يعترفون بالعمل إلا فى الجهات الحكومية، ويؤمن بأن العمل فى أى مجال آخر يكون بمثابة المُجازفة الغير آمنة، ولا يثق فى مستقبلة إلا فى أيدى الحكومة، وعلى الرغم من وجاهة هذا الفكر من الناحية المنطقية، إلا أنه تشوبه كثير من الهنَّات من الناحية العملية ؛ لأن كل زمن وله ظروفه، ولا ننكر أن زيادة تعداد السكان، وقلة الموارد، والتضخم فى الحالة الاقتصادية، وغيرهم من الظروف قد تحول دون تحقق هذه الأحلام بالنسبة للكافة، ولابد لنا من التفكير العملى ؛ حتى لا نُضيع أيام العمر فى انتظار تحقيق الأحلام، لاسيما وأن الكثير ممن حاولوا تحقيق أحلامهم خارج الإطار الروتينى المرسوم من الكافة، وأثبتوا أنفسهم ونجحوا وحققوا ما لم يستطع الكثير من الموظفين تحقيقه، فالطموح مع قلة الإمكانيات يُحقق المستحيل، أما الحُلم مع الانتظار لن يُحقق شيئًا على الإطلاق، ومن يُفكر خارج الصندوق المألوف هو المبدع الحقيقى، لذا لا تضعوا أنفسكم فى إطار "إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه".
ولو علمتم أصل هذا المثل لاكتشفتم أنه بعيد كل البعد عن المعنى الذى نقصده حين نردده، فهذا المثل يعود إلى عصر الرومان، أى فى زمن احتلال الإسكندر الأكبر لمصر، وأصله إن فاتك "الميرة"، أى "القمح" اتمرغ فى ترابه"، أما سبب المقولة هذه التى أصبحت مثلاً، أنه فى تلك الحقبة من الاحتلال الرومانى لمصر كانت مصر تزرع القمح أو الميرة، كما كان مُتعارف عليه وقتها للإمبراطورية الرومانية، وكان محظورًا على الفلاح المصرى أن يحصل على أى حبة من بعد حصاده إلا بأمر الحاكم الرومانى، وكانت تُشون تلك الميرة فى صوامع ترابية لحين شحنها لأطراف الإمبراطورية الرومانية، ولما كان الفلاح لا يحصل على نصيبه مما زرع، فكان ينصح بأن يبحث فى تراب الصوامع عسى أن يجد بعض الميرة، وبمرور السنين والأجيال أصبح يُقال: "إن فاتك الميرى" بدلاً من الميرة اتمرغ فى ترابه"، وكانت بداية التحريف فى بداية الخلافة العثمانية، وثبتت إبان الاحتلال الإنجليزى لمصر.
وعليه، فنحن حرفنا الكلمة لفظًا ومعنى، فهل كان الهدف من ذلك هو التكاسل من أجل انتظار الميرى، أتمنى أن يكون التحريف غير مقصود، وأن نبحث عن هويتنا بكل السبل وفى جميع الميادين، ولا تُمرغوا بأنفسكم على الإطلاق، على أى شىء فات، فكل ما يفوت يأتى بالقطع الأفضل منه.