إن الخبير بالنوايا والطوايا يدرك أن الظروف المؤدية إلى ثورة 25 يناير 2011 ليست موجودة الآن، ومن توّهم ذلك فستؤكد له الأيام أن ظنه اختفى كالفقاعة، وانكمش كالقنفذ، وانطفأ كشعلة الهشيم !
ويرى العقلاء أن الظروف غير مواتية الآن بأى صورة من الصور لانتفاض عموم المصريين وخروجهم للاحتشاد فى ميادين القاهرة والمحافظات، والوصول لدرجة العصيان المدنى.
وأما ما يُروّج له بعض الغافلين لثورة جياع فى 11/11 للانقلاب الشعبى على النظام فى مصر الآن ما هو إلا نوعا من التمنى العاجز، بل هو كالسراب فى الأرض المكشوفة المبسوطة، يلتمع فيها التماعاً كاذباً، فيتبعه صاحبه غافلاً عما ينتظره هناك !! بل كثير من العقلاء يرى أن من يُقبل على ترويج هذه الأفكار هو ممن يبتغى لنفسه المطامع والمنافع، ويشتهى الزينة والزخرف، ويطلب المال والمتاع لذاته، بل ينفذ توجهات أعداء الوطن.
المنطق يقول، إن المصريين لا يحتاجون الآن إلى ثورة شعبية، برغم ما يعانونه من ضغوط اقتصادية، بل على العكس من ذلك، فهم يلتفون حول قياداتهم السياسية، ويشعرون بمدى الجهد المبذول داخلياً وخارجياً رغم الظروف الصعبة.
وهذه كلها أمور يتابعها الحس فى بُهر! بل هو واقع حـى يعاطفنا ونعاطفه، وهو أمر يتجلى للحواس والقلب والعقل فى بهاء أخّاذ، وهو شئ لا يمكن إنكاره فى هذا الكون الزاخر الممتد اللاحب (الواضح).
إن الفوضى وعدم الاستقرار أمر لا يسكن معه عصب، ولا يطمئن معه بيت، ولا يسلم معه عرض، ولا تقوم معه أسرة، ومن السنن الكونية فى هذا الوجود ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار وهى من أحق الحق، وهى الخط القويم والطريق المأنوس المطروق! فلولا الاستقرار ما استمرت البشرية، والقول بضرورة تغيير الأوضاع بالقوة وبالعنف دوماً وباستمرار فى كل وقت هو قول هزل، بل هو غثاء كغثاء الأشجار(الْحَشَائِشُ اليَابِسَةُ) لا يمنع ولا يدفع، ولا يصلح لشىء إلا أن يكون وقوداً للنار.. وهو وقود هزيل ! وكذلك عدم الاستقرار هو شرود عن الطريق الفطرى الميسر.. فهو عسر.. وحرمان من الاطمئنان إلى الكنف الآمن.. فهو قلق.. وانطماس فى أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية.
وأفضل ما يميّز القيادة السياسية الآن التعامل مع العالم الخارجى بعزة وكرامة، وكذلك تفاعلها مع أحداث الوطن والتعايش معها، ولا نرى تعالى وغرور وانفصال عن الواقع، فالناس فى حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.. فى حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا، فها هو حال الرئيس المصرى الحالى عبد الفتاح السيسى فلِما الدعوة للخراب إذن ؟
فلا نرى تزاوج بين المال والسياسة.
وكذلك لا نرى تواجد لأى شكل من أشكال الأسر الحاكمة أو بوادر للتوريث.
ولا نرى أو نشعر بأى تستر على الفساد.
وكذلك لا نرى أى تهميش لدور الشباب بل بدأ تدريبهم ليتولوا القيادة فى المستقبل.
ولم نر الآن من جعل الناس أرقاء أذلاء، مع السخط الدفين والحقد الكظيم، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية، وملكات الابتكار المتحررة التى لا تنمو فى غير جو الحرية، إن هذه الكلمات ليست ألفاظا وعبارات، بل حقائق ملموسة وهى كالأنسام النديّة المبشرة كأنسام الفجر، وأنداء مشعشعة بالعطر، إنه النجاء الأليف للقلب، والهمس اللطيف للروح، واللمس الموحى للضمير. فهل أدرك الداعون للتغيير عدم تحقق أسباب ثورة يناير الأولى؟