الهجرة إلى (إيطاليا) هدف أول ووحيد لكل أبناء الأقاليم المصرية وحلم يحلمون به صباحاً ومساء سواء كانوا يقظى أو نائمون، لأن ذلك الهدف وذلك الحلم هو المخرج الوحيد من ضيق الحال إلى الثراء الفاحش (كما يتخيل هؤلاء الأشخاص).
ويجمعون كل ما يملكون من مال لدفعها لعصابات التهريب وربما يلجأ البعض إلى كتابة إيصالات أمانة على نفسه ليقم بتسديدها بعد السفر إلى أوروبا والعمل هناك وجنى الأموال كما يتخيلون.
والغريب فى الأمر هو أن هؤلاء الشباب وأسرهم تفكيرهم محصور على الثراء الفاحش الذى سيكونون فيه بعد وصول أبنائهم إلى شواطئ إيطاليا دون التفكير ولو للحظة واحدة فى خطورة تلك الرحلة ونسبة نجاحها والتى اصبحت تكاد تكون معدومة لأن الشخص لو لم يمت فى البحر سيلقى القبض علية من قوات خفر السواحل الإيطالية والذين أصبح الأمر بالنسبة لهم سهلا لدرجة كبيرة بسبب مراقبة المياه الإقليمية الإيطالية بالأقمار الصناعية والانتشار الأمنى وخبرتهم الكبيرة فى مكافحة الهجرة غير الشرعية لتكرار الأمر يوميا بالنسبة لهم.
ويموت الشباب ويخرج الأهل يبكون ويصرخون على أبنائهم الذين ماتوا فى ريعان شبابهم وتخرج القصص التى تحكى مأساة الأسرة بعد موت العائل الوحيد لها ومنهم من ترك اطفال رضع ومنهم من ترك ام مريضة وتبدأ القنوات الفضائية فى اذاعة صور الاهالى والشباب المتوفى وترفقها بالموسيقى الحزينة حتى تتقطع قلوب المشاهدين وينقسم المشاهدين إلى طرفين.. طرف حزين يصب غضبة على الدولة ويحملها المسئولية وبين رافض لما حدث ويحمل المسئولية لأهل الشباب وندخل فى صراع على المقاهى وصفحات الفيسبوك بيننا وبين بعضنا دون النظر إلى الاسباب التى ادت إلى وقوع تلك المصيبة.
وأسباب تلك المصيبة عديدة ومشترك فيها كل من الدولة والشباب الذى يحلم بالهجرة وأهلهم..
أولا: الدولة مسئولة مسئولية كاملة عن عدم توعية الشباب من خطورة الهجرة غير الشرعية وعدم الجدوى منها والأخطار التى تلحق بالشخص فى حال إقدامه على تلك التجربة غير المفيدة بالمرة.
ثانياً: الدولة مسئولة عن مكافحة العصابات التى تقوم بجمع أموال البسطاء وإيهامهم بأنهم يصلون بهم إلى ابواب اوروبا حيث المال والثراء والعيشة الكريمة.
ثالثا: الدولة مسئولة عن توفير فرص عمل بقدر المستطاع فى القرى والمحافظات النائية ليجد الشباب عمل يغنيهم عن التفكير فى إلقاء نفسه فى البحر بحثاً عن الرزق.
رابعا: الأهل عليهم مسئولية كبيرة فى منع ابنائهم من الانتحار غرقاً بحجة البحث عن الرزق... فلا يجوز ان يقوم شخص بتشجيع ابنه البالغ من العمر خمسة عشر عاماً على الهجرة والموت غرقاً فى البحر بحجة ضيق الحال ثم يبكى امام الكاميرات حزناً على فراق ابنة.
خامساً: الشباب هو من يتحمل المسئولية فى الحفاظ على نفسه ولا يترك نفسه لأهوائها والتى تدفعه لإلقاء نفسه فى احضان الموت.
ويجب أن نعطى انفسنا قليل من الوقت لنفكر فى عدة أمور قبل اتخاذ قرار الهجرة وهى.
هل عندما يركب ثلاثمائة شخص أو اكثر فى قارب متهالك ليعبر بهم البحار ويحارب أمواجه سيكونون فى أمان؟
هل سيستطيع ذلك القارب الخروج من المياه الإقليمية المصرية دون ان يرصد من خفر السواحل المصرية ؟
فى حالة الهرب والخروج من المياه الإقليمية المصرية هل سيستطيع ذلك القارب ان يبحر بهم إلى إيطاليا ويقطع مئات الكيلو مترات فى البحر بسلام.
هل دخول المياه الاقليمية الايطالية والوصول إلى شواطئها بهذه السهولة التى يتخيلها هؤلاء المهاجرون.
والسؤال الأهم هنا.. فى حالة النجاح فى الوصول إلى إيطاليا... كيف سيعيش الشخص المهاجر ؟؟ وأين سيسكن ؟؟ وماذا سيأكل ؟؟ واى عمل سيعمل به ؟؟ وكيف سيعمل اصلاً ؟؟
الطفل الذى لم يبلغ خمسة عشر عاماً من عمره وألقاه اباة فى البحر ليذهب إلى إيطاليا ليقوم بالإنفاق عليهم ماذا سيعمل هناك ؟ وهل دولة مثل إيطاليا سترحب بطفل فى هذا السن وتفتح له ابواب العمل وجنى الاموال والعيشة الرغدة ؟
اغلب الشباب المهاجر ان لم يكن كلهم غير متعلم ولا يحمل شهادة تؤهله للعمل فى اى مكان كيف يصور له عقلة انه ستنفتح ابواب الدنيا امامة بمجرد الوصول إلى دولة اوروبية ؟؟
الامر محزن جداً ولا يمكن تصور نتائجه المؤلمة وما يزيد الحزن هو الجدال والشماتة التى تظهر من البعض... فإننا أصبحنا شعب مجادل يلقى بالاتهامات دون تفكير لمجرد ان خيالة صور له استغلال المصيبة فى معارضة نظام أو افراد.
فصفحات الاخوان تتخذ من المصيبة وسيلة لتقبيح وجه الدولة والمعارضين للإخوان يدافعون عن الدولة بإلصاق الاتهام بالمسئولية لمن قام بتلك المصيبة.
فالمصيبة التى وقعت والتى ستقع مرات عديدة طالما لم يعالج الامر يجب تعصر القلوب سواء كانت قلوب مؤيدة للنظام أو معارضة له لانها فى النهاية قلوب بشر انعم الله عليها بنعمة الاحساس... فمن يغلب عقلة على قلبة فليس بإنسان فمن يبحث عن الرزق علية باتباع كتاب الله وسنة رسوله فى كل حياته.. فقد قال الله سبحانه وتعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه" ) سورة الطلاق ).
وقال رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا (رواه الإمام أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه وابن حبان فى "صحيحه").
فالمسئولية تقع على الجميع وعلى الجميع إيجاد حلول لها.. وإلا سيظل البحر يبتلع الشباب الذين يبحثون عن الرزق.. لأن العيب فينا وليس فى القارب.