أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، ما أجمل هذه الكلمات وما أرقى مدلولها ووقعها على النفس فى حالة أدركنا معناها جيدا، هذا على المستوى الإنسانى، فهى دعوة لعدم المبالغة فى البغض يقابلها بالوجه الآخر عدم المبالغة فى الحب فالمبالغة فى كل شىء لها مضارها الكثيرة، وكانت سبباً فى التشرذم والتحزب، بل كانت من أسباب الشرك فى الأرض، فالاعتدال فى أى شىء يزينه ويجعله مقبولاً حتى من الأعداء، فما بالكم بالسياسة وبحورها العميقة فهى لا تعترف بعدو دائم ولا صديق دائم.
قد تكون مقدمة مطولة لموضوع هام، ولكن كان لابد منها وأنا أناقش أصدقائى فيما كان وما هو كائن من السياسة باختلاف وجوهها، فهذا الأمر أصبح حديث المجالس وأصبحت السياسة بشكل عام المادة الخصبة لأى حوار، خاصة بعد الطفرة المفاجئة فى تنفس الحرية بعد ثورة يناير وما تبعها من تصحيح للمسار، ولكن الحذر كل الحذر من النقد لمجرد النقد أو لمجرد (خالف تعرف) بل يجب أن يكون النقد مغلفاً بأدب الحوار ومزيناً بالتجرد من أى غرض أو مرض.
فهذا ينادى وذاك يرد عليه فى حوار أكثر من رائع دار بين أصدقائى، وكان منصباً على نشاط الرئيس فى الفترة الماضية، فهذا يؤيد وذاك ينتقد بعض السياسات التى تنتهجها الحكومة وآخر يرى أن أداء الحكومة لا يتناسب مع خطوات (الرئيس) بل ذهب البعض بالقول أنه بدأ يتشكك فى أن هناك أناس من داخل الحكومة تسعى لإفشال (الرئيس) إن لم يكن عمداً فبجهل وسوء تصرف.
وبدأت المقارنات بين الرؤساء السابقين وسياسة كل منهم وكيف نجح (فلان)، وكيف فشل الأخر فكل منهم له وجهة نظر فمنهم من عاصر أكثر من رئيس ورأى بنفسه إنجازاته وإخفاقاته وبدأ يُسقط تلك الفترات السابقة على الوضع الراهن، فقلت لهم ( هل تعتقدون أن أى رئيس حكم مصر من بعد العصر (الملكى) أى بعد ثورة يوليو 1952 كان يتمنى أن يفشل ؟ بالطبع لا، بل بالعكس فبداية من عهد الرئيس (جمال عبد الناصر) مروراً بفترة الرئيس (السادات) وصولاً لعهد الرئيس (مبارك) وحتى فى فترة الرئيس (مرسى) وصولاً إلى الرئيس (السيسى) الجميع (حلم) بمستقبل مشرق ولا نزايد على حبهم جميعاً لتراب هذا الوطن الغالى.
ولكن كل ما فى الأمر أن هناك اختلافاً فى السياسات والأولويات وأحياناً البطانة التى تدور فى فلك أى رئيس، وقد شاهدنا وفى عهد الرئيس (مبارك) وهو عهد ليس ببعيد كيف لبطانة السوء أن تجر الوطن لتذمر عام بسبب السياسات الخاطئة، وحتى فى عهد أو فترة الرئيس (مرسى) كيف كان التدخل غير المبرر من أشخاص خارج مؤسسة الرئاسة وما أدى إليه من تدهور الوضع فى مؤسسات الدولة
ولكن وبعد كل تلك المقارنات التى أوردتموها مازلتم لا تدركون مدى الخطورة التى تمر بها مصر فى هذه الفترة العصيبة، حتى لو قال لى أحدكم لقد مرت مصر بفترة حروب، هذا صحيح لكن يا أخى فى فترة الحروب التى ذكرتها كان عدوك محدد وظاهر للجميع حتى لو تم دعمه، ولكن أنت الآن تخوض حرب شعواء فى كل الاتجاهات بداية من الإرهاب الأعمى وصولا لمؤامرات تريدك شرق أوسط جديد يعيش أو يتعايش تحت شعار ( الفوضى الخلاقة).
كنت تحارب فى فترة الحروب التى ذكرتها وهناك ميزة مهمة كنت تتمتع بها وهى ( وحدة الصف الداخلى ) أما الآن فهناك من بنى جلدتك من يتمنى دمارك إن كان مدفوعاً أو مأجوراً، أو يعمل لصالح الغير من خارج هذا الوطن ( وهم قلة).
ونهاية القول من حقك يا أخى أن تنتقد سياسة الدولة وضعف الأداء الحكومى بل ومن حقك أن تنتقد الرئيس فى سياساته التى ينتهجها، ولكن بمنظور الباحث عن الإصلاح ومتمنياً للخير ولا يكون نقدك نابعاً من نفس مريضة تتمنى الدمار للبلاد والعباد لمجرد الاختلاف السياسى مع شخص أو مع حكومة فهذا أمر ليس من العقل فى شيء بل الاعتدال فى إصدار الأحكام على الغير يصنع منك شخص سوى.