لقد آثرت التريث فى تناول موضوع التحذيرات الأمنية، التى أصدرتها السفارات الأمريكية والبريطانية والكندية لرعايا دول هذه السفارات الثلاث. حيث نصحت السفارة الأمريكية الرعايا الأمريكيين المقيمين فى القاهرة بتجنب التواجد فى التجمعات والأماكن العامة، مثل: قاعات الاحتفالات، ودور السينما، والمتاحف، والمولات. وذلك يوم الأحد 9 أكتوبر، محذرة من مخاوف أمنية محتملة، وقامت السفارة بوضع أرقام تليفونات، وبريد إلكترونى، للتواصل مع السفارة. وتبعتها فى ذلك السفارة الأمريكية، والسفارة الكندية.
صدرت هذه التحذيرات يوم الجمعة 7 أكتوبر. وإيثارى للتريث ليس لأن هذه التحذيرات قد أثارت فى نفسى مخاوف من وقوع أى أحداث فعلية، وإنما فقط من باب صيانة الاحتمال، إذ ربما يقع حادث ما على سبيل المصادفة المحضة، لا علاقة له بهذه التحذيرات من قريب أو بعيد، فيقال ألم نحذر من ذلك، وقد زايدتم علينا، وعلى الواقع بالقول بوجود نظرية المؤامرة . وها هو اليوم قد مر على مصر بسلام دون وقوع أى مخاطر سواء للمصريين أو الأجانب. ومن هنا يحق لنا التساؤل دون اتهام بالمزايدة، أو القول بنظرية المؤامرة، عن الأسباب الحقيقية التى دفعت بالسفارة الأمريكية ـ التى لم تتصرف بمعزل عن الإدارة الأمريكية ـ إلى التصرف على هذا النحو المريب.
وعن مصادر المعلومات التى حدت بها إلى إصدار التحذيرات. فأما عن مصدر المعلومات فيمكن حصره فى ثلاث: المصدر الأول ـ أن تكون أجهزة الاستخبارات الأمريكية / الغربية قد تجمعت لديها معلومات بهذا الصدد. وفى هذه الحالة كان يتعين على الجانب الأمريكى إبلاغ هذه المعلومات للجانب المصرى فى ظل وجود اتفاقية بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين، حتى تتخذ هذه الأجهزة جانب الحيطة والحذر ووضعية الترقب والجاهزية، وذلك بمنأى عن وسائل الإعلام، حتى لا تضار الدولة بإشاعة هذه المعلومات. ولا يصح الزعم بأن هذه التحذيرات روتينية، لما يترتب عليها من مخاطر، ولا يصح التبرير لمسلكها بزعم أنها تسلكه حيال الدول الغربية، لأن هذا الزعم مدحوض بالوقائع، فالتحذيرات المماثلة تأتى بعد وقوع الأحداث الإرهابية وليس قبلها.
المصدر الثانى ـ أن تكون السفارة الأمريكية على صلة مباشرة ببعض العناصر الإرهابية، أو الداعمة لها، وقد أوهموها بمخططات إرهابية سيجرى تنفيذها على الأراضى المصرية فى هذا اليوم. وهنا كان يتعين على السفارة الأمريكية الاتصال كذلك بالأجهزة الأمنية إعمالاً للاتفاقية المشار اليها آنفا. أو أن السفارة متعاونة وداعمة وضالعة مع عناصر إرهابية تستهدف النيل من استقرار الدولة، ويدعم ذلك المؤتمر الذى عقد على الأراضى الأمريكية لجماعة الإخوان، وأذنابها، والداعمين لها، والمنتفعين من ورائها، وذلك بقصد التنظيم لأحداث متوقعة تستهدف الأمن المصرى، يوم 11 / 11 القادم.
المصدر الثالث ـ أن تكون هذه التحذيرات مستندة إلى معلومات مفبركة مختلقة من جانب السفارة لا توجد سوى فى عقول عناصرها الأمنية، بقصد إحداث فرقعة إعلامية، تغمر الفضاء الإعلامى، وتركها تحقق نتائجها تلقائيا، فى كيان الدولة المصرية . مستندة فى ذلك إلى معلومة خفية توجد فى منطقة اللاشعور المصرى، يجرى استدعائها إلى بؤرة الشعور على هذا النحو، وهى ذكرى أحداث ماسبيرو. وبمرور اليوم بسلام دون أى أحداث يرجح بدرجة ما المصدر الثانى، كما يرشح بدرجة أشد المصدر الثالث.
وهنا يحق لنا التساؤل عن المبررات التى دفعت السفارة الأمريكية إلى هذا التصرف، دون الولوج فى نظرية المؤامرة، أو اتهامنا بذلك . ومن المبررات والدوافع التى يمكن حصرها ما يلى: ـ إشعال الأرض تحت أقدام النظام المصرى بإحداث مزيد من الفوضى والسخط . ـ ضرب موسم السياحة القادم مع بداية الانفراجة فى الأزمة السياحية . ـ ضرب احتفالية مصر بمرور 150 عاماً على حياتها النيابية . ـ التأثير السلبى على الوضع الاقتصادى المصرى، بإثارة الرعب فى نفوس المستثمرين العرب والأجانب . ـ خلق مناخ دولى معاد يضر بالمصالح المصرية.
وبالقطع فإن هذه التحذيرات تستهدف كل هذا طالما أنها قد صدرت على هذا النحو، بخلاف أنه قد جرى نشرها فى كل وسائل الإعلام الغربية، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعى. ومما يدعو للتعجب والدهشة ما قامت به السفارتان البريطانية والكندية، ومصدر الدهشة أنهما إما قد حصلتا على المعلومات المزعومة من السفارة الأمريكية، وإما أنهما قد توصلتا لذات المعلومات بمعرفتهما. ولا ريب أنهما قد وضعتا فى موقف حرج ـ يستشعره من لديه دم ـ على إثر تراجع السفارة الأمريكية عن موقفها من جدية هذه التحذيرات باعتبارها تصدر بشكل روتينى. وهنا يأتى السؤال الأهم: هل من يقوم بمثل هذه الأعمال والتصرفات يضمر للدولة المصرية خيراً، ويتعامل معها باعتبارها حليفاً استراتيجياً . أم أنها دولة تأتى بممارسات عدوانية صارخة وفاضحة وإن كانت غير معلنة؟. وهل نكون مبالغين إذا تحدثنا بمنطق نظرية المؤامرة، التى تستهدف مصر والمنطقة لصالح الدولة العبرية؟.