رأيته منذ سويعات، يرتدى حُلة فاخرة باهظة الثمن، ورابطة عنق تأخذ بخناقه ويبدو أنها من الحرير الطبيعى، لم أعرفه من الوهلة الأولى، فقد استغرق الأمر بضعة دقائق، تأملته كثيرا حتى استعادت ذاكرتى عافيتها .
أوشك أن يغادر المكان، بسيارته التى أجهل نوعها فلم تمر على من قبل سيارة فارهة كهذه، وفجأة نظر خلفه ويبدو أنه اعتقد أننى أحد المتسولين المحيطين به أينما حلّ أو ذهب، فنظر بتأفف، فبادلته نظرة احتقار طالما كنت أنفحه إياها قديما.
الحق أنه اضطرب لنظرتى له، ويبدو أن حياة الرفاهية والدعة لها تأثيرها أيضا على صحة الذاكرة وعافيتها فتذكرنى جيدا، وتجاهل نظرتى له، وقد لاحت على فمه شبح ابتسامة خفيفة، وأجهد نفسه فى ادّعاء الود والافتقاد لزمالة قديمة .
وبعفوية غير مقصودة سألته: أين كنت وماذا تعمل؟ صمت قليلا، ثم مط شفتيه كمن لم يهتم بتساؤلاتى، أو يرى فيها تطفلا غير مستحب، ثم قال :
أعمل الآن فى مجالات كثيرة فأنا رجل أعمال وكما تعلم عنى فقد بدأت من الصفر أو دونه بقليل .
قلت له: لعلك تذكر جيدا أنك كنت زميل فصل دراسى، وأن آخر عهدى بك فكرتك التى طرحتها علينا بادخارك مصروف الجيب لنا جميعا ثم توزيعه على كل فرد منّا فى توقيت معلوم .
قهقه ضاحكا قائلا: يا عزيزى لك ذاكرة قوية أو يبدو أن لقاءك بّى قد أعاد ذاكرتك.
لم أمهله فرصة للاسترسال، وأثنيت بقولى وتذكر أيضا أنك جمعت مالنا على ضآلته ولم نأخذ منك شيئا، ثم اختفيت بنهاية العام الدراسى ولم نرك بعدها أبدا .
اضطرب قليلا وتلعثم، ثم قال: يا عزيزى تلك أيام قد خلت وولّت بعفويتها ولكن تظل بيننا الذكرى الحلوى والأيام الطيبة!. ثم شدّ على يدى مسلّما، وراجيا أن نتقابل كثيرا .