عادةً ما يشعر الشخص المخطئ أو المذنب، وكأن أى كلام يُقال بين الناس، أو أى تلميحات تُثار بينهم، أنه هو المقصود بها ؛ لأنه فى قرارة نفسه يشعر بأنه محل اتهام، حتى ولو كانت الناس لا تعرف جُرمه، فيكفى أنه هو ذاته يعرفه، ولكن السؤال هو، هل الشخص المخطئ فقط هو من يُواتيه هذا الشعور؟! أعتقد أن هناك شخص آخر يشعر بذات الأحاسيس، رغم أنه غير مُدان، وهو من يكون موضع اتهام رغم براءته، فهو دائمًا يشعر بأن كل تحركاته مراقبة، وأن تصرفاته موضع تأويل، فهنا يتصرف ذات التصرفات التى يأتى بها المجرم الحقيقى ؛ لأن نظرات الاتهام فى حد ذاتها تُفقد الإنسان ثقته فى نفسه، وتخلق حالة من الارتباك بداخله، وتخرجه عن طوره الطبيعى والمعتاد.
ولو ركزنا سنكتشف أن المثال القائل: "اللى على راسه بطحة" لا ينطبق فقط على المجرمين والمذنبين الحقيقيين، ولكنه أحيانًا ينطبق على الأبرياء، لو كانوا موضع اتهام، وبمناسبة هذا المثل، فقصته تحكى أن رجلاً شكا إلى مختار القرية سرقة دجاجاته، فما كان من مختار القرية إلا أن جمع أهل القرية وأخبرهم أن فلانًا سُرقت دجاجاته، والسارق معروف، ويجب عليه أن يعيد الدجاجات قبل أن يتم فضحه على الملأ، فبدأ كل شخص يسأل عن السارق، وينعته بأشد الكلام، ومن ضمنهم السارق نفسه، فسأل أحد المتواجدين المختار إذا كان يعرف السارق، فأجاب المختار "بنعم"، فسأله الرجل: "وهل هو بيننا؟" فأجاب المختار: "نعم"، فسألـه الرجل: "هل تراه؟" فأجاب المختار: "نعم"، فسأل الرجل المختار: "صفه لنا"، فقال: "على رأسه ريشة"، أى أنه عندما دخل قِنّ الدجاج علقت على رأسه ريشة، فالذى كان فى القِنّ تحسس رأسه، وعندئذٍ قال المختار: "هذا هو السارق". ومن هنا جرى استخدام التعبير، وصارت له دلالات نفسية واجتماعية، متمثلة فى أن المُذْنِب مهما كان ذنبه، طفيفًا أو عظيمًا يأخذ الكلام على نفسه، ولا غُبار على هذا الكلام، ولكن كثيرًا من الأبرياء يتصرفون بذات تصرفات المذنبين، عندما يكونون موضع شك واتهام، لاسيما فى عيون الناس، فأحيانًا تكون البطحة حقيقية، وأحيانًا أخرى يتوهم الإنسان بوجودها بسبب نظرات الآخرين.