كنت قد كتبت مقالاً من أسبوعين بعنوان "كملها بالستر" مضمونه انها الكلمة الكامنة فى أعماق المصريين عن الرضاء بالحال والإيمان بقيمة وعظمة مصرنا الغالية وبالطبع لم أكن أعرف وقتها أن سيادة الرئيس سيتحدث فى لقائه مع الشباب المصرى عن فكرة الثلاجة التى ظلت لفترة طويلة لا يوجد بها سوى الماء المثلج ولكنها بالطبع كانت مستورة بالشكر والحمد وتدبير أهالينا العظماء لتوفير حياة معيشية لائقة بأقل التكاليف والإمكانيات لأننا لم تكن تتوفر لنا وقتها رفاهية الاختيارات المتعددة بين بدائل كثيرة.
لا أريد أن أتعرض هنا لبعض التافهين أو السخفاء أو المستظرفين فى الداخل والخارج الذين سخروا من كلمة الرئيس بعقليات فارغة وجوفاء ربما. ولكنها نسبة قليلة لأن الغالبية تدرك قيمة ووطنية وبساطة وعمق هذا الرجل وأنه ابن بلد ومصرى على حق وليس صاحب كلمات وشعارات.
أعود مرة أخرى وأوجه حديثى للشباب المصرى بمختلف أعماره وخصوصا من هم دون الثلاثين الذين لم يعيشوا تلك الفترات الصعبة علينا فى السبعينيات أو نعود قليلا للخلف، وكما كنت أسمع من أبائى وأجدادى صعوبة الحياة فى المجتمع المصرى فى ظروف وتحديات عدة مثل حرب 1956 وحرب 1967 وما تلاها من سنين حتى نصر أكتوبر 1973.
لنعرف قيمة الثلاجة الفارغة هذا إن كانت موجودة فى البيت من الأصل فهى رفاهية ربما لم نكن نمتلكها فى حينها ولا حتى التليفزيون الذى لم يكن به سوى قناة واحده تبدأ من الحاديه عشر صباحاً وتنتهى فى الثانيه عشرا ً مساءٍ.
أعزائى كان الحصول على (فراخ الجمعية وكيس السكر وكيلو الأرز وباكو الشاى ) رفاهية بل درب من الخيال.. وكيف كنا بالتعبير الدارج نتحايل على المعايش والصعاب لأننا كنا ندرك وقتها جيداً أننا فى وقت حرب وتحديات. حتى من كان منا لا يدرك هذا كانوا نسبة ضئيلة جدا مقارنة بجموع المصريين الشرفاء.
عزيزى الشاب اسأل أباك وأجدادك عن قيمة رغيف العيش وكيلو الدقيق وطبق الفول وقرص الطعمية وطبق البليلة .
اسأل الناس اللى شربت من "الزير اللى عليه عودين نعناع والقلة".. اللى فى الشارع قبل ما نعرف رفاهية الكولدير والمياه المعدنية.
اسأل مصريين بجد بتعبهم وجهدهم حافظوا على وطنك على مدى سنين طويلة علشان يكون فى مصر واحدة مش وطن متقسم (بحرى وقبلى وسيناء) أو (مسيحى ومسلم) .
اسأل اخواتنا السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين اللى عايشين وسطنا.
أسالهم يا ولدى ..." يعنى ايه وطن " ... قبل ما تتندر على وطنك وعلى تعبير بسيط وعميق جدا من رئيسك ابن بلدك (الجدع) اللى شارك بفاعلية وقوة على مدار ثلاثة أيام مستمعا لأبنائه وشعبه وشبابه ومعارضيه فى وقت تواجه مصر أصعب حروب العصر الحديث .. حرب الوجود .
وربما أود أن أوجه بعض اللوم للآباء والكبار منا المقصرين فى سرد وتوضيح تلك الحقائق وهذا التاريخ المعاصر لأبنائهم وأحفادهم، فالمسئولية عليهم ربما تكون أكبر بكثير من غيرهم لأنهم شهود عيان لفترات عصيبة .
وإلى الآن يا ولدى صمام أمان مصر هم هؤلاء الصابرين الصادقين المؤمنين بالله الواحد الأحد الذى نعبده جميعا دون رياء أو متاجرة . يتحايلون على المعايش بأقل القليل والمتاح ليعبروا بـ"مصرهم" أشد المحن .
صدقت يا ابنى أو لم تصدق سيبقى هذا الوطن عظيماً بتلك النماذج المصرية الرائعة.. ولتحيا مصرنا دوماً بشرفاء الوطن.