لم يعد دور الإعلام هو نقل الأحداث بل تطور إلى صناعتها والتدخل فيها وفقاّ لتوجهات رؤوس الأموال والداعمين له من أفراد وأجهزة ودول أيقنت بقوة هذا المارد فى حسم الحروب قبل بدايتها فهزائم الجيوش تبدأ بهزائم الشعوب وكسر إرادتها وتدمير الأمل والانتماء لديها بحروب نفسية تفرق النفوس وتضُعف الترابط بين المواطنين وتضيف زراعة مساحات متجددة يومياّ من الإحباط لا تسمح إلا بحصاد يائس والجهل أخطر من الرصاص واستخدامه نافذ وخطير فى تمرير الشائعات وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية التى تحرق المجتمعات أو تصنع الأزمات السياسية والاقتصادية فإذاعة تقرير صحفى عن نقص فى منتج أو سلعة يمهد لزيادة الطلب عليها واختفائها فعلياّ ! وتقرير رياضى ساخن مّتعصب أو مغّرض لمحطة فضائية كفيل بتحويل المتعة الكروية والمنافسة إلى صراع وكراهية تنتهى بعشرات الضحايا من المشجعين الأبرياء وعداء يمتد لسنوات بين المتنافسين!
أما القاتل الصامت فهو إفساد الذوق العام وإفراغ المجتمع من قيمة وضرب ثوابته الذى يستخدم الفن فتتحول أهدافه من غرس المبادئ والفضيلة واستشعار الجمال إلى نشر القبح وانحصار التصوير فى العشوائيات ومشاهد الجنس والمخدرات والألفاظ الخارجة التى يرددها نجوم جدد مختلفين من حيث الأناقة والجاذبية عن السابق فتغيرت صورة الفارس وفتى الأحلام وحل محلها البلطجى والمدمن وأشباه الرجال ومع تزايد الاقتداء بتلك النماذج يزداد السقوط وتقل أعداد من يُنتج أو يبنى أو يحمل السلاح فتأتى الهزيمة محققة بأقل تكلفة لأنها بأيدى المنهزمين أنفسهم ! فهل تُدرك الدولة المصرية هذا التأثير وتعطيه القدر المستحق من الاهتمام وإيجاد الحلول قبل مواجهة وقودها البسطاء والجهلة لتنفيذ مخطط المغرضين وأن الفقر والقهر والفساد والجهل هم خطوط الإنتاج الكبرى ومنافذ التوزيع الحقيقية للفوضى ودُعاتها حفظ الله مصر منها ومنهم.