الحديث عن أفاق الخطاب الثقافى، يضعنا فى قلب المعادلة المعاصرة للخطاب الثقافى العربى، بتجلياته المكتوبة والمسموعة والمرئية .. تلك التجليات التى ترينا نمط التحديات غير المسبوقة، ودرجة التسارعات التى تصل إلى مستوى العدمية، سواءً لهجة انتشار الثقافة السهلة العابرة، أو التغول المربط للوسائط المتعددة .. تلك التى أصبحت تحاصر الفكر الرصين وتخلق مجتمعات للمعلومات لا للمعرفة .
لم تعد المعلومة المعاصرة تتقدم خارج نطاق الترويج والتسلية المغلوطة لأهداف أيديولوجية جديدة، مداها صناعة إنسانٍ مقولَب ومعولم، وفق رؤية المؤسسات الإعلامية والثقافية التواقة إلى خلق نموذج لإنسانٍ مسحوب من أنفه إلى فقاعات الاستهلاك والتبسيط المخل والقبول بالحياة النفعية الرخيصة.
إذا كانت الثقافة الإنسانية تعانى من هذه الظاهرة الكوكبية، فإننا فى العالم العربى نعانى منها مرتين .. مرة لأننا جزء من العالم العربى، ومرة لأننا جزء من العالم كله .
لقد تقلصت مكانة ودور الخطاب الثقافى المؤسس على استيطان هاضم للمعرفة .. كما أن المجلات الثقافية العربية بوصفها مركز لهذا النوع من الثقافة، قد شهدت انحسارا مخلًا خلال العقدين الماضيين.
نريد الآن ضرورة تجديد الخطاب الثقافى الرصين والحمال للمعرفة والجدل، أو لهجة التفاعل الخلاق مع التراث والحداثة، علينا أن نعمل لصناعة خطاب ثقافى يغالب المد الهائج لثقافة التسطيح والإجابات الجاهزة، ويكون ترجمانا لخيار الوعى والمعرفة المتواشجة مع اليقين الإيمانى بأن لا مكان لرؤيةٍ لا تحترم التاريخ والنواميس، وعلينا أن ندرك أنه لم يعد هناك مكانا لرسوخ الفقاقيع مهما بلغت من العتو والازدهار، علينا أن نحفر لخطاب ثقافى على جدار الوعى الصادر من الأعماق المعرفية المتوالية والإنسانية الشاملة.
هذا الخطاب نعمل ليكون معادلا موضوعيا لكامل المناخ الثقافي، وخيارا للثقافة والتنوير ليرشد لمستقبل أكثر توازنا وبهاءً.