قرية ريفية على حدود مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية وتبعد عن المركز مسافة ستة كيلو مترات بالاتجاه الشرقى وهى قرية «القُضَابة» كما هى مُدونة فى سجلات المحافظة أو الأوضَابة كما ننطقها بالعامية المصرية.
ولدتُ ونشأت فى هذه القرية مُكتسبًا قيم الريف المصرى ومُتعلمًا منها الانتماء للأوطان، وأن الوطن نبنيه بأيدينا لا يُبنى لنا، ونغرسُ فيه الخير مشاعًا فأما أن نحصده أو تحصده أجيالٌ من خَلِفنا وخَلَفنا، نُفكر للتطور والنهوض ببلدنا دون معرفة نهج سياسى معين أو تحزبٍ لحزب بعينه أو جماعة بعينها أو فئة صاحبة مصلحة، ولكن كل أهل قريتى بلا استثناء هم مصريون وفقط، لديهم ثقافة سياسية أعلمها تُضاهى ثقافة النخبة المزعومة، فعندما تجلس فى أحد مجالس قريتى تشعر وكأنك تجلس فى مجلس الوزراء، فأحداث الدولة ونهجها يُحدثوكَ فيها وكأنهم مَن صنعوها، والكل لديه سيل من المعلومات، فالفلاح البسيط لديه ثقافة مُخزنة فى مكان آمن لا تبلى وهو العقل، وكنت أتحدى أصدقائى من الحضر على مَن يستطيع أن يُفرق بين «الفلاح والمُتعلم» فى هذه المجالس والكل يرتدى الجلباب الريفى.
منذ نعومة أظافرى وفى قريتى "القُضَابة" هناك إصرار على أن تُصبح قريتنا مثلها مثل المدن تماماً فى كافة الخدمات، ولكن حينما كُنا نُرسل وفداً من أبنائنا للتفاوض مع المصالح الحكومية لنيل بُنية تحية أو خدمة لقريتنا كان يأتى الوفد بهذه الجملة التى يأتى بها كل وفد وهى «مفيش ميزانية تسمح بإنشاء المصلحة من قِبل الدولة»، ولكن جُل الإصرار لدينا كان مُتمثلاً فى الحصول على الخدمة بجهودنا الذاتية دون انتظار ميزانية الدولة، وكان الأمر شاقاً ، فالكل سوف يقتطع من دخله لتنفيذ الخدمة ، ولك تعرف أن عدد سكان قريتى الآن هو 1200 نسمة وقديماً كان العدد أقل من هذا والتكاليف حينما ستُوزع على أهل قريتى ستكون كبيرة، ولكن لن ننتظر الدولة وسنبنى قريتنا بأيدينا وقد حققنا أغلب ما كُنا نصبو إليه ونحن مستمرون فى بنائها حتى تُصبح القرية النموذجية الأولى على مستوى الدولة.
الانتماء ينشأ حينما تعمل وتبنى لتُحققَ هدف بعينه وتحشد الجمع من أهل القرية لبناء مصلحة حقيقية أو تحقيق خدمة عامة نسفيد منها الآن ويسفيد منها أبناؤنا لاحقاً، ولا لحشد الجمع لمظاهرة ضالة لتسير فى شوارع العواصم لتُخرب ما بُنىَ من قِبل الدولة.
فشكراً لكل أهلى فى القُضَابة على ما تُقدمونه لبلدكم ومن خلفه لوطنكم، وقُلتُها وسأظل أقولها للقُضَابة وأهلها: «لو دخل الجنةَ الناسُ بحب بلادهم.. لدخلتُها من قبل ولادتى».