تظل الأندلس التى تم فتحها فى عام 711 م واستمر الوجود العربى والإسلامى بها حتى عام 1492 ميلادية وهو العام الذى سلم فيه آخر ملوك المسلمين بالأندلس وهو أبو عبدالله الصغير من بنى الأحمر مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين فى شبه جزيرة إيبيريا إلى الملوك الكاثوليك إيزابيلا وفريناندو، وحينها أنشدث أمه بيتا من الشعر عندما رأته يبكى بعد تسليم المدينة قائلة: "ابكِ كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال"، فى مخيلة العرب والمسلمين هى الفردوس المفقود نظرا لما مثلته من ازدهار حضارى ومعمارى وفنى وأدبى ودينى.
ولكن للعلامة الكبير المرحوم الدكتور محمود على مكى رأيا آخر يخالف هذا الرأى وهو أن الأندلس تظل هى الفردوس الموجود، نظرا لأن تراثها وما خلفته لنا وللإنسانية جمعاء مازال باقيا ويمكننا الاستفادة منه على جميع المستويات.
وأنا بالفعل أتفق تماما مع رأى الدكتور مكى، ومن هذا المنطلق أؤكد أن تراث الأندلس باقِ وقادر على أن يقدم لنا الكثير من الدروس التى يمكن أن تعيننا على فهم واقعنا العربى والإسلامى المأزوم. الدرس الأهم الذى يقدمه لنا تاريخ الأندلس يجب أن يكون هو "كيف سقطت الأندلس؟".
يتفق المؤرخون على تقسيم تاريخ الأندلس إلى قسمين، يبدأ الأول من بداية الفتح الإسلامى فى 711 م وحتى سقوط مدينة طليطة Toledo فى عام 1085، وفى هذه المرحلة كانت معظم شبة جزيرة إيبيريا تنتمى للأندلس، ثم القسم الثانى وهو الذى يبدأ من سقوط طليطة وحتى سقوط آخر الحواضر الإسلامية وهى غرناطة فى 1492م, والقسم الثانى يمثل الفترة التى رجحت فيها كفة الممالك المسيحية.
إذاً يمثل سقوط طليطلة البداية الحقيقة لسقوط الأندلس وضياعها. ولكى نستوعب الدرس الذى يقدمه لنا هذا السقوط، يتوجب علينا دراسة جغرافية الأندلس، حيث كانت تقع طليطة فى وسط الأندلس، وبالتالى عندما تمكن ملك قشتالة ألفونسو السادس من الاستيلاء عليها من أحد ملوك الطوائف الذى كان يحكمها فى ذلك الوقت وهو يحيى بن زى النون، الذى كان قد استضاف فيها الملك القشتالى سابقا للاستقواء به فى صراعه مع بقية ممالك الطائف والتى بلغت 60 دويلة بأحجام مختلفة فيما عرف تاريخيا بمملكة الطوائف Reino de las taifas، فصل بذلك شرق الاندلس عن غربها، ومن هنا يتفق معظم المؤرخون على أن اختراق الممالك من الوسط وليس الأطراف هو ما يؤدى إلى انهيارها.
هذا هو الدرس الذى فطن إليه الغرب الاستعمارى من قبلنا، وعندما قرر ضرب الحضارة الإسلامية ركز جل جهده على فصل الشام عن مصر لأنه وعى أن الوحدة بين مصر والشام هى حائط الصد عن الأمة الإسلامية بأسرها وبدأت محاولاته الخبيثة منذ الحروب الصليبية، ولكن فشلت تلك المحاولة لأن الله قيد لمصر والشام قائد عظيم هو صلاح الدين، وسارت على نهجه دولة المماليك لاحقا، ولكن للأسف وللآن لنا ذاكرة الأسماك تم زرع إسرائيل فى القلب بين مصر والشام مجددا فى القرن العشرين، ويتم الآن تمزيق سوريا على مرأى ومسمع الجميع.
فهل نعيد قراءة التاريخ واستيعاب دروسه أم سنظل أمه تتقاذفها الأمواج؟