السيد المحافظ الدكتور: أيمن عبد المنعم محافظ سوهاج
تحية طيبة وبعد
سيدى كما تعرف منذ أو أبان زيارتك لنا، فى جزيرة الشورانية التابعة للمحافظة أنها أكبر الجزر الواقعة فى النيل فى مصر على الإطلاق. نعم فقد اقتضت الحكمة الإلهية وميزان العدل الإلهى منذ بداية الخليقة أن يصنع سيدنا نوح سفينته نجاة وهرباً من الطوفان وللمحافظة على النوع بجمع البشر والدواب فى سفينة واحدة وعقاب من لا يؤمن بالسنن الكونية الإلهية، نعم حدث هذا فى بداية الخليقة وألاف السنين مرة واحدة أبان سيدنا نوح.
ولكن لك أن تصدق أو تتخيل أن شىء من ذلك يتكرر كل يوم! ولا أقول كل (سوق تلات) ما بين جزيرتنا وبين البر الآخر غرباً أو شرقاً، حيث يجمع البشر والحجر والدواب والطير حتى، وكل صنوف وأدوات العيش والتجارة فى مركب واحد، ذهاباً وجيئة، فى رحلة تيه بدا أنها لا تنتهى ! ولسبب جوهرى ومنطقى (عدم وجود جسر أو نفق) أو طريق يربط الجزيرة باليابسة الأخرى عبر أى من الضفتين سوى ما يمكن أن نسميه (سفينة الحشر) هذه ! والتى لا تعنى بالضرورة النجاة لأحد من قدر، أو حتى إهمال محتوم، كأن يزيد الوزن فتجنح السفينة ويغرق من يغرق، دون عصمة أو نجاة كما أسلفت، رغم الالتزام والإيمان بالسنن الكونية والإلهية بل والقوانين الوضعية كذلك، ومع ذلك يظل الغرق ! ومن لا يغرق يتجشم العناء والتعب ! ورغم ذلك نعاود الكرة كل يوم ! وكأننا لا نتعلم ! ونكرر لسبب وجيه، لأنه لا حل أخر سوى الإيمان بالقدر أو حتى السير فى طريق الإهمال المحتوم والذى يسمونه المعدية واللنش فى رحلة الحياة والموت جيئة وذهابا.
هل نتكلم بلغة غير مفهومة ؟ معذرة سيدى، فلديك من الجهات والملفات فى دهاليز وأروقة ومكاتب المحافظة والمجلس المحلى (عن الشورانية) أكبر جزيرة فى النيل ما قد تعجز عن حمله سفينة نوح، صراخ وشكوى وكتابة ودموع، وصرخات الآلاف من سكان جزيرتنا الذين يتجشمون المرار كل صباح ومساء، كطلاب وموظفون وتجار ودواب حتى ! بحكم أن الكل يحشر فى صندوق ومركب واحد، البشر والدواب، والكل يدفع رسوم نظير تجشم المعاناة ! .
نعم فالذاهب للمراغة وهى على مرمى حجر منا ولكن يفصلنا عنها النيل (العائق المائى) يعامل أو نعامل وكما لو كنا مهاجرون، أو أفارقة فارون يركبون البحر لإيطاليا، وجزيرة صقلية، وليس النهر وجزيرة الشورانية أو المراغة، والسبب وكما أسلفت هو رحلة الموت والحياة فى الصباح والمساء، ذهاباً وجيئة، غدوا وترحالاً لليابسة والماء، ولا توجد وسيلة أخرى سوى هذا اللنش أو المركب، منذ مئات السنين لم يتغير شىء سوى المحرك الكهربائى ولكن حتى ذلك المحرك له سنن وكتالوج هو الأخر ويتعطل ويتأخر.
يا سيدى والله رغم كل ما سبق لا نريد كوبرى ! رغم الحلم والأمنيات ورغم أنك وعدت وعندنا من الروابط والصور والميديا والفلاشات والكاميرات، ما يترجم أو يعيد للذاكرة تصريحات حضرتك أن كان قد نسيها أحد وقد أدليت بها فى يوم مشمس وليس ليل كى نقول: أن تصريحات المساء كما السمن والزبدة تخرج عليها شمس النهار تسيح.
نعم أدليت بها جهاراً نهاراً عندما وطأت قدميك الكريمتين أرض جزيرتنا وصرحت بلسانك العطر مبشراً الناس بالكوبرى، بل وجربت حضرتك ولو بقدر ما، بعضاً مما نعانيه أى باللنش ولم تهبط ببراشوت أو طائرة هليوكبتر. أقول لا نريد كوبرى ولا نفق ولا نريد حتى هذا اللنش (لنشكم) ! وأقول لنشكم نعم طالما ظل القصد منه المتاجرة فينا وبوقتنا ومعاناتنا وعزلة جزيرتنا وانتظارنا على الضفتين، وأن تتربح جهة أو جهات ما وكأننا لسنا قطعة من الوطن ومن جيناته وترابه كى تستغل عزلتنا المائية لتلك الدرجة ويتاجر بوجعنا لذلك الحد.
والله لا نحب ولا نحبذ نشر (ما يشبه الغسيل) غسيل قريتنا على حبل الصفحات ! والشكوى عبر الميديا، ويرى القاصى والدانى وجعنا، ولكن ما العمل، فلا توجد سبل أو منافذ ومعابر ومنابر أخرى، سوى هذا المنبر ؟ فكل أبناء قريتنا يعشقون تراب الوطن حتى الثمالة، ونؤثر الوطن على أنفسنا وبيوتنا، وندرك ولدينا حس سياسى أن الوطن يمر بحالة من المخاض العسير، ومن لا يرى من فتحات الغربال فهو أعمى ! ونحن مبصرون ولدينا بصيرة ونرى وندرك ونعرف حال الوطن، الذى يمر بمخاض يستحق الصبر والتحمل.
وندرك ونعرف رغم الحلم ودغدغة المشاعر أن طلب كوبرى أو نفق فى هذا الوقت يعد من قبيل الترف ! بل العبث وضياع الوقت وكالحرث فى النهر !، رغم تصريح حضرتك الذى دغدغ مشاعرنا وشكرناك عليه، لأنه وكما نتعلم: كلمة طيبة خير من صدقة يتبعها أذى وفرحتنا يومها بوطء قدميك الشريفتين ووعدك لنا أنسانا أوجاعنا وقال البعض منا: (قال يا خبر اليوم بفلوس بكرة يصير ببلاش) ! وجاء اليوم لا بتدشين الحلم بل بتكريس وتجرع المزيد من المرارة وتجشم المعاناة بتعطل حتى الوسيلة البدائية (المركب) من عصر نوح وبدا وكما لو أننا ليس أمامنا سوى أن نخبط دماغنا فى الحيط أو ينتحر البعض منا انتحاراً جماعياً كقرابين كتلك التى كانت تقدم وتلقى زمان فى النهر لآلهة النهر والخصب والنماء وفى زماننا بغية عمل كوبرى ! أو حتى كما نقول فى عاميتنا (موت يا حمار على ما يجيلك العليق) ويتعمل الكوبرى.
رغم أننا صرنا فى زمن وعالم صغير، وتجاوزنا (كشباب قريتنا) وأدركنا وعرفنا أن أندونيسيا كمثال بها 18306 جزيرة وأكبر أرخبيل فى العالم، ومع ذلك مرتبطون بعضهم ببعض، بشبكة من الطرق والأنفاق والجسور والتلفريك، وأن الفلبين هى الأخرى 7107 جزيرة، وما قلته عن أندونيسيا من جسور وأنفاق أقوله عن الفلبين، ولماذا نذهب بعيداً ؟ فجسر الملك فهد الذى يربط البحرين بالسعودية طوله 25 كيلو مترا، والبحرين ليست جزءاً من المملكة، ولكنها الرؤية فما بالكم وجزيرتنا نصف كيلو وتقع فى حضن الوطن، قد تلاحظ سيدى أننا لم نتحدث عن اليابان وعدد الجزر فيها 6852 جزيرة طبيعية، (غير الجزر الصناعية) أى أنهم أنشئوا جزر اصطناعية ! ونحن ينحر النهر وينخر ويأكل فى عضدنا وعظام وتراب جزيرتنا ! أقول لن نتحدث عن جزر اليابان كى لا يقول أحد أننا حالمون ! بل تحدثنا وأشرنا فقط لدول (يفترض أنها تعيسة مثلنا كالفلبين وأندونيسيا) ! ومع ذلك فلا بأس (ومن باب الشطط) أن نشير لأطول نفق فى العالم تحت البحر وليس فوقه ! وبين دولتين كانت بينهما عداوة (نفق المانش 50 كيلو بين بريطانيا وفرنسا) فما الذى بيننا وبين المراغة كى يعطل ربطها بأكبر جزيرة فى مصر ؟ فقط نحلم بقدر الخمسمائة متر نصف كيلو التى تفصلنا عن المراغة لا عبر قارتين أو دولتين!.
ونكرر للمرة العاشرة بل بعدد سكان جزيرتنا عشرات الآلاف: لا نريد جسر ولا نفق ! ولا جهود ذاتية حتى ! فقط دعونا نشترى لنش، إثنان، وثلاث، وأربع، وأكرر ليس حتى بالجهود الذاتية، بل بالريع، والعائد، والربح أيضاً، شأننا فى ذلك شأن جسر الملك فهد جراء تحصيل رسوم ضئيلة، لا ترهق كاهل الناس ولا تستنزف وقتهم وجهدهم، بل سيوفر عائد بعد التحصيل يمكن استثماره وبما يخدم القرية، وأن لا يتربح أحد من أوجاعنا وأن يترك مزاد النهر والعطاء القسرى.
نعم دعونا نشترى لنشين، وسنعطيكم أو نقدم للجهات المعنية الضريبة القانونية المستحقة كأى دافع ضرائب فى مصر (لا كلاجئين) يعاملون معاملة جغرافيتهم ! وكأننا لسنا جزءاً من اليابسة، ومن الوطن وجئنا عبر القوارب وسنظل هكذا.