كثيرون يتعاملون مع المظاهر فقط، فبمجرد التقائهم بشخص له مظهر، وشكل معين، يتخيلوا أنه قطعا على علم بكل شيء، وأنه لا تُوجد أى مسألة محل جدل أو خلاف، إلا ولديه حل لها، ويتناسون أن هذا الشخص هو فى النهاية بشر، ومن المستحيل مهما وصلت درجة علمه أن يُدرك كل الأمور على الإطلاق، وهذا هو قمة الجهل، فمن يظن أنه قد يُصادف الشخص الذى يفقه فى كل أمور الحياة، فهو بلا شك مخطئ، ومن يحكم على إنسان بالعلم أو الجهل من مُجرد مظهره الخارجى، فهو مُخطئ كذلك.
فمدارك الحياة لا نهاية لها أو حُدود، ومن الصعب حصرها فى بوتقة واحدة، فهى أعم وأشمل من أى علم أو دراسة، علاوة على أن مظهر الإنسان وحده لا يكفى للحكم عليه، إن كان من العلماء أو الجهـلاء، كما أن مُجرد عدم توصل عالم لحل مشكلة معينة، لا يعنى أنه لا يستحق لقب "عالم"، فالعلم فروعه كثيرة، والعالِم هو من يجتهد حتى يصل إلى القمة فى علمه، وليس من يُدرك كل مناحى العلوم ؛ لأنه فى الواقع لا يُوجد من يمكنه أن يصل لذلك.
وبمناسبة هذا الكلام، فهناك موقف قد تعرض له الشيخ "عبد العزيز البشرى"، وهو من علماء الأزهر، حيث كان يسير فى شارع فؤاد، وكان يرتدى عمامة علماء الأزهر، وعليه سمات الوقار والعلم، وكان هناك فلاح يمشى بجواره، فقال له: "سيدنا الشيخ، اقرأ لى هذا الخطاب"، فحاول الشيخ عبد العزيز قراءته، فوجده عبارة عن طلاسم لم يفهمها، فقال له: "خُذْ يا بنى !، ما أستطيع قراءته"، فغضِب الفلاح منه، وقال له: " كيف ترتدى هذه العمامة، ولا تستطيع قراءة خطاب ؟!"، فقال له الشيخ: "خذ العمامة واقرأه أنت".
وهذا الموقف يدل على أن لكل عالِم تخصصه، وعدم معرفته بأحد العلوم، لا ينتقص من علمه أو قدره، والجاهل لو ارتدى زى العالم، لن يُصبح عالمًا، فالمسألة ليست بالمظاهر.