حسن زايد يكتب: "السوشيال ميديا" مخاطر كبيرة فماذا نحن فاعلون؟

بالمشاهدة المباشرة، نستطيع تأكيد وجود تأثيرات اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، لمواقع التواصل الاجتماعى . والأمر ليس فى حاجة إلى استنتاج أو استنباط، وإنما فقط استقراء صفحات هذه المواقع. وقبل الحديث عن هذه التأثيرات، نود الإشارة إلى أهمية التفرقة بين مداها وعمقها، فى مجتمع دون آخر، وفى المجتمع الواحد من وقت إلى آخر، وذلك بفرض ثبات العوامل الأخرى. إذ ربما لا يكون لهذه المواقع ذات التأثيرات فى المجتمعات الغربية، التى اعتادت الانفتاح والحرية، فى الفكر والاعتقاد، والسلوك المنضبط داخل منظومة قيمية معينة، تتسم بالمرونة، والقدرة على الاستيعاب، فتكون رؤية هذه المجتمعات لمواقع التواصل رؤية مختلفة إلى حد بعيد، بما يقلل من تأثيراتها المحتملة. بينما تشكل هذه المواقع حالة الانفتاح الوحيدة، التى أطلت منها مجتمعات أخرى، بعد حالة الانغلاق الفكرى، والجمود السياسى، وهيمنة المنظومة القيمية الحاكمة، التى هيمنت على مدار قرون، دون مرونة استيعابية، لمستجدات العصر، ومستحدثاته. فلا ريب أن حالة الانفتاح والحرية المفاجئة، كانت بمثابة الصدمة النفسية والعصبية والفكريةـ التى أصابت هذه المجتمعات المنغلقة، فاهتزت لها الأعمدة الرافعة، والثوابت الراسخة، لمنظومة القيم الحاكمة فيها، مما كان له الأثر البالغ على المناطق الرخوة فيها، وأدى إلى حالة الانفلات التى تحياها هذه المجتمعات فى الوقت الراهن. فعلى مستوى التأثيرات الاجتماعيةـ دون أن نغفل ما يصاحبها من تداعيات نفسيةـ سنجد أنها وإن كان لها جوانبها الايجابية، التى يمكن أن تتمثل فى توسع وانتشار العلاقات الاجتماعية على امتداد الكرة الأرضية، وما يخلفه ذلك من إثراء فكرى ومعرفى ونفسى. إلا أن لها من الجوانب السلبية ما لا يكاد يحصى. من بين هذه التأثيرات، تأثيرات على مستوى العلاقات الفردية، وأخرى على مستوى العلاقات الأسرية. أما على المستوى الفردى، فسنجد أنها غيرت العديد من المفاهيم بتغيير دلالاتها، كمفهوم الصداقة، والحب، والصدق. إذ أنها سطحت هذه المفاهيم تسطيحاً مخلاً، وربطت وجودها من عدمه، بأسباب متعلقة بالعالم الافتراضى، الذى قد لا يمت للواقع بصلة. الأمر الذى تولد عنه جو ملبد بغيوم من عدم الثقة، وعدم المصداقية، فى الأقوال والتصرفات، والهروب من وطأة العلاقات الواقعية، وما تفرضه من التزامات، إلى العلاقات الافتراضية المتحللة من أى التزام، على سبيل التعويض النفسى والاجتماعى. أما على المستوى الأسرى، فقد ضربت هذه المواقع الأسرة ـ النواة الأولى للمجتمع المتماسك ـ فى مقتل، حيث إنها نجحت بامتياز، فى عزل أفراد الأسرة عن بعضهم البعض، وتغريبهم عن واقعهم، وما يفرضه من واجبات والتزامات، وتمزيق أواصر التقارب، والتناغم، والانسجام، والتراحم، والتواد. وهذا ما تختلف فيه مجتمعاتنا عن المجتمعات الغربية. هذا التفسخ فى الأواصر على مستوى الأسرة الواحدة، يشتمل بالضرورة على التفسخ الذى يصيب العلاقات بين الأسر بعضها البعض. أما على مستوى التأثيرات الاقتصادية، فإن هذه المواقع قد خلقت حالة من النشاط الوهمى الافتراضى، إذ أن كافة الأنشطة التى يمارسها الإنسان أثناء تعامله مع هذه المواقع، هى أنشطة ذهنية، خيالية، أو تصورية، تستنفذ الوقت والجهد، فى اللانشاط، أو فى اللاشىء؛ لأن المحصلة الاقتصادية فى الغالب، وفى نهاية المطاف محصلة صفرية. فإذا انتقل الإنسان فعلياً من العالم الافتراضى إلى الواقع الفعلى، الذى يستلزم تضافر النشاط الذهنى والعصبى والحركى فى أن معاً، وجد نفسه مجهداً جسدياً، ومرهقاً نفسياً، ومكدوداً ذهنياً، ويغالب النعاس أثناء العمل. وفى النهاية لا تكون لديه القدرة على إنجاز ما يسند إليه من أعمال بالكفاءة والفاعلية المطلوبة. ولا شك أن ذلك ينعكس سلباً على الأداء الاقتصادى للدولة ككل. وليس التأثير السلبى هنا قاصراً على الجانب الاقتصادى المرتبط بالعمل فحسب، وإنما يمتد إلى جوانب أخرى كالتعليم والدراسة والبحث والتحصيل العلمى. وأخيراً على مستوى النشاط السياسى، فإن هذه المواقع، تحت دعوى الحرية والديمقراطية، والبعد عن المراقبة والمتابعة، أحالت الأنشطة السياسية آداء وأشخاصاً، إلى شياطين. وشيطنة النشاط السياسى، تدفع بالعاملين فى الحقل العام، إلى النأى بأنفسهم عن تلويث السمعة، والاغتيال الأدبى والاجتماعى، الذى يتعرض له العامل فى هذا الحقل. ولا ريب أن تلفيق وفبركة، القصص والحكايات، التى تمس الشرف والأمانة، والذمة المالية، والأعراض من المسائل التى تطفح بها هذه المواقع، وتجعل السياسى يمشى حافياً على الأشواك، أو على قطع الزجاج المكسر. وهذا يساهم بشكل فاعل على الصعود السياسى لبعض الوجوه الوصولية، غير الكفؤة، التى تتسم بالانتهازية والفساد، ولا تشغلها مسائل الشرف والكرامة والأمانة. وعلى هذا المستوى دخلت على الخط فى منافسة غير منضبطة، وسائل الإعلام الأخرى، من شاشات فضية، إلى صحف ورقية وإلكترونية، كى تزيد الطين بلة. ومن هنا فأنا أدعو علماء الاجتماع، وعلماء الاقتصاد، وعلماء السياسة، وعلماء النفس، وكبار المفكرين، إلى دراسة هذه الحالة دراسة ميدانية متأنية ومعمقة، حتى يجرى تشخيص المرض على نحو دقيق، ووصف الدواء الناجع له، قبل أن تتحلل المجتمعات، وتذوب الدول، وتنهار منظومة القيم الحاكمة . فهل نحن فاعلون؟!



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;