إن من أشد مفاتيح شر الشيطان للإنسان أن يزيّن له سوء عمله فيراه حسنا، وأن يجعله يعجب بنفسه وبكل ما يصدر عنها، ويجعله ألا يفتش فى عمله ليرى مواضع الخطأ والنقص فيه، فهو مفتون بكل ما يتعلق بذاته، وبطبيعة الحال لا يطيق أن يراجعه أحد فى عمل يعمله أو فى رأى يراه. هذا هو عين البلاء الذى يصبّه الشيطان على الإنسان، وهذا هو المقود الذى يقوده منه إلى الضلال. فإلى البوار ! وعلى النقيض الأخر نجد من يبالغ فى ضرر الشيطان للإنسان ويعتقد هؤلاء أن الشيطان هو المسئول عن كل سوء يصيب الإنسان فى الدنيا بمسه له، والمتتبع لأقوال العلماء يجد خلافاً فى مدى وكيفية دخول الجن جسم الإنسان، فهناك من قال إنه يدخل جسم الإنسان ليوسوس فقط، وهناك من قال إنه يدخل جسم الإنسان ويتحكم فيه ويسيطر عليه سيطرة كاملة، ومهما يكن من أمر إلا أننا نجزم بأنه لم يصح مطلقاً أى نص عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، ولا عن أحد من الصحابة يجيز استخدام الضرب كعلاج، بخلاف ما استنبطه كثير من الدواعش وأمثالهم من المعالجين ومنهم جهلة قاصرون فاعتبروا كل الأمراض تَلَبُّسًا من الجان، واعتبروا أنفع الوسائل هى الضرب المبرح أو إيذاء المريض بحجة أنه يؤذى الجن المتلبس فقط، وقد حدثت مآسٍ وكوارث، بل حالات قتل ليس لها اسم سوى القتل وإزهاق النفس التى حرّمها الله بغير حق، فيا ويل هؤلاء القتلة من إثم هذا الفعل.
والتعامل مع الجن بهذه الطريقة ضلالة عصرية، ولا يجوز لمسلم أن يزيد على الرقية الشرعية الثابتة من الكتاب والسنة.
ونحن نجزم بأن الصرع ليس كله مصدره المس بدليل المرأة التى كانت تُصرع على عهد النبى (صلى الله عليه وسلم) فكيف يتركها النبى على حالها ( بدون علاج ) أى بدون استخدام الضرب كما يفعل هؤلاء الآن!! وكما هو معلوم أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قد بشرها بالجنة إن صبرت، فهل كانت عاصية وكثيرة الذنوب حتى يلبسها الجن ؟!!!
وأما عن أقوى دليل لاستخدام الضرب فى العلاج عند القائلين بالسيطرة الكاملة للشيطان فهو حديث عثمان بن أبى العاص ( وهو ما أخرجه ابن ماجة فى سننه (3546) وغيره( قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَنِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ, جعَلَ يَعْرِضُ لِى شَيْءٌ فِى صَلَاتِى حَتَّى مَا أَدْرِى مَا أُصَلِّي, فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: مَا جاءَ بِكَ, قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, عَرَضَ لِى شَيْءٌ فِى صَلَوَاتِى حَتَّى مَا أَدْرِى مَا أُصَلِّي, قَالَ :ذَاكَ الشَّيْطَانُ ادْنُهْ, فَدَنَوْتُ مِنْهُ, فَجلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ, قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِى بِيَدِهِ...، وَقَالَ: اخْرُج عَدُوَّ اللَّهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: الْحَقْ بِعَمَلِكَ،قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: فَلَعَمْرِى مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِى بَعْدُ.
وعلى فرض صحة هذا الحديث فهو استنباط قبيح فكيف يقارن فعله عليه السلام هذا بفعل من يبالغ فى الضرب فى العصر الحاضر، ومما لا شك فيه إن ما حدث للصحابى هو نوع من الوسوسة ونسيان بعض القرآن كما فى بعض طرق الحديث، ولا يمكن الاستنباط بأنه لبس أو مس من الشيطان. ولكنه كما تواتر عنهم هو الجهل بفهم النصوص كالمبالغة فى فهم معنى المس والذى لا يستطيع أحد أن ينكر أصله.