حقًا من الثقافة أن نتعلم فن الحوار، فالحوار مهما كانت إدارته وذكاءه، فهو له تكنيك خاص به ؛ حتى يكون جذابًا وشيقًا، وأول قاعدة فى هذا التكنيك هى عدم الغُلو فى طرح الموضوعات، حتى لا تتحول إلى درجة الاستفزاز، فبساطة الحوار تجعله أكثر ارتياحية وصدق ؛ حتى يصل إلى الطرف الآخر، أما لو احتوى على عبارات قاسية، أو معانٍ ملتوية، فسيكون أقرب للنزاع منه للحوار، وفى هذه الحالة ستتحول ساحة الحوار إلى حلبة مصارعة بالألسن .
فقد كان السياسى البريطانى "ونستون تشرشل" يخطب فى البرلمان عن حرية المرأة والقوانين الخاصة بالنساء، فحمل على المرأة حملة شعواء، فصاحت إحدى الحاضرات : "لو كنت زوجى لوضعت لك السم فى القهوة"، فأجاب فورًا : "ولو كنت زوجك لشربته فورًا" .
فبالرغم من أن من يُدير الحوار سياسى مُحنك، وبالقطع يُفترض فيه القدرة على انتقاء ألفاظه وتعبيراته، إلا أنه قد غالى فى العبارات المهاجمة للمرأة، حتى أنه استفز إحدى الحاضرات، أما بالنسبة لهذه المرأة، فبالرغم من طبيعتها الأنثوية، ورغبتها فى الدفاع عن حقوقها هى ومثيلاتها، إلا أنها أخفقت فى رد الفعل وتجاوزت كل حدود اللياقة، حتى أنها أعطت إحساسًا لكل من يسمعها أن النساء لا يستحققن ما يُطالبن به نظرًا لعدم قدرتهن على ربط جأشهن وقت الحاجة .
وبالتبعية، كان رد فعل "تشرشل" لا يوحى على الإطلاق بقدرته على كظم غيظه واحتواء الموقف بدبلوماسية، وهكذا تحولت الندوة إلى ساحة للنزاع أو حلبة للمصارعة، وكل هذا مبعثه عدم القدرة على تعلم فن الحوار، الذى لابد أن يتسم به كل إنسان ، سيما لو كان مثقفًا أو على دراية بالحياة العامة .
ففن الحوار هو بداية دخول الإنسان إلى قلوب الناس ؛ لأن الأذن هى التى تُجبرنا إما على الاستمرار والاستماع باستمتاع ، وإما بالنفور ورفض من نسمعهم، فلمَ لا نتعلم فن الحوار .
....