حــســـــــن زايـــــــــد يكتب: مطلوب وقفة مع هذه المعالجات الإعلامية

من المسلم به إعلامياً، أن الإعلام وفى القلب منه الإعلام المرئى، باعتبار أن الصورة ـ كما هو معلوم ـ بألف كلمة، يلعب دوراً رئيساً فى صناعة الرأى العام وتوجيهه. ولا نبالغ إذا قلنا ـ وفقاً لذلك ـ أن الصورة أمانة، وأن الكلمة مسئولية، فإذا افتقرت الصورة للأمانة، وافتقدت الكلمة للمسئولية، تحول الإعلام من صانع للرأى إلى مخرب له، ومن موجه للرأى العام إلى مضلل له. والفارق بين الحالة الأولى، والحالة الثانية، كالفارق بين بائع المسك ونافخ الكير، سواء بسواء، فى تأثير كل منهما فى المجتمع الذى يعيش فيه. والإعلام نافخ الكير، بدلاً من إشعال شمعة يبدد بها الظلام، يتولى هو إطفاء كل الشموع، ثم يبت من ليلته يلطم الخدود، ويشق، الجيوب، ويلعن دياجير الظلام. وإعلامنا المصرى ـ فى شقه الخاص ـ يلعب معظمه دور نافخ الكير، فى الكثير من القضايا والمعالجات، إن لم يكن فى معظمها. ويشيع فى المجتمع قدرا هائلا من الطاقة السلبية، تعوقه عن الانتباه لقضاياه الهامة والإستراتيجية، والاضطلاع بدوره فى النهوض من كبوته، والإلتحاق السريع بالركب الحضارى، قبل الخروج من التاريخ الذى نقف أمام الباب الخلفى منه، بعد تفويت الفرصة على المتآمرين على هذا الوطن ومقدراته، فى الداخل والخارج. ولا أجد فى جعبتى من تفسير لهذه الظاهرة، سوى تعويل الإعلام الخاص على إجتذاب اكبر نسب مشاهدة ممكنة، لأن هذه النسب يكون لها انعكاساتها على تقسيم تورتة الإعلانات على القنوات المتنافسة، ولذا فإنها تعتمد الإثارة، والتشويق، واللعب على عواطف المشاهدين وغرائزهم، دون مخاطبة الوعى، والإدراك، والعقل، إلا قليلاً.

ويقع اختيار القنوات على إعلاميين لديهم ذات التوجه العام. وقد يكون ذلك مصحوباً بشهوة السير عكس الاتجاه، بالحق أو بالباطل ،عملاً بمقولة خالف تُعرف، من جانب الإعلامي. وقد يكون الدافع ـ بالإضافة إلى ما تقدم ـ ذلك الإحساس المتورم بالذات الذى يضع صاحبه ـ الإعلامى ـ فى خانة من لا يعجبه العجب، ولا الصيام فى رجب، وأن ما يقوله هو الحق المطلق، وما دونه باطل، وقبض الريح. ولا ريب أن الجلوس تحت الأضواء المكثفة، وتسليط الكاميرات، يغرى بذلك، على نحو أو آخر. وقلما تجد من بين الإعلاميين واحداً يحمل توجهاً أيديولوجياً، ينطلق من خلاله منتقداً أو مؤيداً، حتى يمكنك التعامل معه، والتلقى عنه، وفقاً لهذا الإعتبار أو ذاك. وحتى من يتبدى منه ذلك، تجده متناقضاً مع نفسه، كمن يعلن معارضته بقوة ـ وبأعلى صوت ـ للحكم العسكرى، وهو يزعم أنه ناصرى ـ نسبة إلى جمال عبد الناصر الرجل العسكرى ـ فكيف يستقيم الأمر، والتوجه الأيديلوجى مجرد قميص، يجرى ارتداؤه، وقت اللزوم، وخلعه والتجرد منه بقية الأوقات ؟. وأصحاب التوجه الأيديولوجى ـ بحق وحقيق ـ أناس لديهم اتساق داخلى، واستقامة مع النفس. حيث تجد الاشتراكيين يحملون بشدة على الرأسماليين، من منطلق أيديولوجى معتبر، والعكس بالعكس صحيح. بل إنك قد تجد ذلك داخل التوجه الواحد، ما بين وسط، ويمين، ويسار. ومن ثم تجد انتقاداتهم لموقف ما، ذات معنى، وذات موضوع، وتأييدهم لموقف آخر، له قبول ووجاهة، وإن اختلفت مع أى منهما فيما ذهب إليه، أو اتفقت معه. فالإتفاق والإختلاف له مرجعيته وأسسه ومعاييره المتعارف عليها. ومن هنا تجد أن المشهد الإعلامى مرتبك غاية الإرتباك، والمنتج النهائى له يغلب ضرره على نفعه، لفقدانه البوصلة الداخلية المرشدة، بعيداً عن صور الرقابة الخارجية، خاصة فى ظل مجتمع يعانى ما يقارب نصفه، من آفة الأمية، بشتى صورها، سواء أمية قراءة وكتابة، أو أمية تعليمية، أو أمية ثقافية. وهذا النوع من المجتمعات، غالباً ما يحكمه الميل للاستهواء، وهنا مكمن الخطورة، إذ تصبح آثار ما تبثه وسائل الإعلام مدمرة للجهاز المناعى للمجتمع. ولدينا من نماذج هذا الآداء المرتبك المريض نموذجين، وكانت المعالجة الإعلامية فيهما فجة ومرتبكة ومريضة فى آن معاً، وضررها أكثر من نفعها. هذان النموذجان هما: قضية الأولتراس أهلاوى، وقضية قبول النقض فى أحداث كرداسة. أما القضية الأولى فتمثلت المعالجة الفجة فيها، فى المطالبات التى ملأت الأرض، صراخاً، وعويلاً، بضرورة احتواء الشباب، والتحاور معهم، واستيعابهم، وإشراكهم الجاد فى الحياة السياسية، بدلاً من التعامل الأمنى معهم، لأنه تعامل خشن، يفضى إلى تذمرهم وعزوفهم عن التعاطى الإيجابى مع الدولة والمجتمع. بل قد ذهب بعضهم إلى المطالبة بالإفراج عن المحبوسين منهم على ذمة قضايا، والمسجونين بمقتضى أحكام قضائية، فى إطار عفو رئاسى واجب وضروري. فلما جاءت المناسبة ـ وهى تلك المشاهد، التى صاحبت، احتفالية جماهير أولتراس أهلاوى، بذكرى أحداث مذبحة بورسعيد، فى استاد مختار التتش بالنادى الأهلى، أكبر الأندية المصرية، وأكثرها شعبية ـ قام الرئيس بعمل مداخلة تليفونية مع أحد برامج "التوك شو"، دعا فيها الشباب، إلى ما كان يدعو إليه الإعلام من قبل، ظناً منه، أن فى هذه الدعوة فرصة لتلبية الدعوة المجتمعية، من جانب رأس الدولة تجاه الشباب.

وقد خرجت الأبواق الإعلامية المتربصة ـ التى حملت ما سبق من دعوات ـ للهجوم على الرئيس، ونقد تصرفه. وبعيداً عن تأييد موقف الرئيس أو معارضته، ومن موضع المراقب المحايد، لابد وأن تضرب كفاً بكف، تعجباً من موقف الإعلام. وتتساءل معى: هل نغلق الباب أم نفتحه ؟. وحتماً ستجد من يقول لك، دعه موارباً، من باب الاستظراف الممقوت. أما القضية الثانية، وهى قضية نقض الحكم الخاص بأحداث كرداسة، والتى تعرض فيها رجالات الشرطة، للتعذيب، والقتل، والتمثيل بالجثامين. فبدلاً من استضافة المختصين ـ من أساتذة قانون ومحامين ـ لبيان أسباب قبول النقض، وإحالة القضية إلى دائرة أخرى، وإمكانية قبول النقض فى حكمها هى الأخرى، وأنه عندئذ، تتحول محكمة النقض، إلى محكمة موضوع ؛ للنظر فى القضية. قام الإعلاميون باستدعاء أهالى الشهداء إلى قنواتهم، ونصبوا لهم مأتماً جديداً، تتمزق معه نياط القلوب، وتتمزق معه الروابط الطبيعية، بين المجتمع ومؤسساته، وعلى رأسها مؤسسة القضاء، ثم يحدث الربط اللاشعورى، بين دعوة الرئيس للملمة شمل المجتمع، وبين هذه الأحكام، التى لا تصادف هوى فى نفوس أهالى الشهداء المكلومة. هذان نموذجان فقط، يدلانك على المعالجات الإعلامية، التى تبدو فى نظرى مقلقة، وتحتاج إلى وقفة، فهل إلى هذه الوقفة من سبيل؟.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;