لقد تعصّب الداعشيّون والمتشددون فى مسألة إخراج زكاة الفطر نقدا، واعتبروها ابتداعا فى دين الله عز وجلّ، وادعّوا أن أبا حنيفة وحده تفرد بهذا القول، إلا أن للمسألة أصلاً عند الصحابة بل هناك إجماع للصحابة والتابعين على جواز الإخراج نقدًا، فعن أبى إسحاق السبيعى التابعى قال: أدركتهم وهم يعطون فى صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام.
قلت: يقصد الصحابة أو كبار التابعين رضوان الله عليهم، وأين عشاق التقليد من هذا القول وهذا الفعل؟!!، وكذلك ثبت عن عمر ابن عبد العزيز والحسن البصرى وسفيان الثورى وابن شهاب الزهرى، فعن قرة قال جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز فى صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم.
ولم يعارض عمر بن عبد العزيز أحداً من التابعين (وهم كثرة فى ذلك الوقت)، وكذلك لم يفت أحداً من التابعين بعدم جواز ذلك اللهم إلا ما ورد عن عطاء بن أبى رباح وهو لم يصح نسبته إليه فقد ورد عنه أنه كره أن يعطى فى صدقة الفطر ورقاً .
ولا شك أن المبالغة فى النكير على من أجاز إخراج القيمة ليس بمستساغ، لا سيما أنه قد قال بذلك جمع من السلف رحمهم الله تعالى، فقد وقفت على نصيّن نادرين لاثنين من علماء السلف رضوان الله عليهم أجازوا إخراج زكاة الفطر نقداً وهما الإمامين يحيى بن معين وحميد بن زنجويه.
وكذلك فهناك أدلة أخرى لجواز ذلك الفعل وهى:
1ـ إنه لم يثبت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة نص فى تحريم دفع القيمة نقداً، وقيل إن هذه الأصناف كانت متاحة عند الصحابة بخلاف النقود .
2ـ الأحاديث الواردة فى النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة - رضى الله عنهم - أجازوا إخراج القمح - وهو غير منصوص عليه - عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة فى الأحاديث الصحيحة .
3ـ ذهب كثير من الصحابة بل أكثرهم فى عهد معاوية إلى القول بجواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر، فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً فى القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحو ذلك.
4ـ إن المقصود من الزكاة: إغناء الفقراء فى هذا اليوم والمال أنفع لبعضهم من الطعام.
5ـ كثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه فى يومه أو غده بأقل من ثمنه، فلا هو الذى انتفع بالطعام ولا هو الذى أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل.
وقد يستند البعض إلى أدلة أخرى تؤيد الجواز كما عن معاذ بن جبل (رضى الله عنه)، والبخارى وابن تيمية والشوكانى إلا أن ما فصلّناه أكثر توضيحا وصراحة فى المسألة .
حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها وعلماءها..........