الحب رياض وحدائق أزهاره خضراء وارفة فإذا اعتراه الفتور أخذ فى التولّى وأمستْ رياضه شاحبة متهدلة.
فتأويه البلابل والفراشات والأوكار آمنة مطمئنة أو تهجره صاخبة هاربة عازفة.
فما سبيل روائه لتتبرعم أشجاره وأزهاره وتهتزُّ وارفة خضراء يأوى إليها الإنسان والطير؟
سبيله يا سادة هو إكسير الحب.
ذاك الشراب الذى يروى رواء البقاء.
لابد انَّ هذا الإكسير يُبصر الزمان والمكان بكائناته.
هذا الزمان والمكان المألوف لدينا.
يبصرهما فينقّحهما ليأخذ بهذا (الزمكان) من طيفه وفضائه القبيح إلى فضاء آخر جميل يزداد فيه..
عمر الحب.
ويبقى
لابد إذاً من تغيير هذه الأرواح الضالة
فتسمو الأرواح بفعله
لابد أن ينساب ويجرى أنهاراً .
فنغترفه ونتجرّعه كؤوساً.
كؤوس شفاء.
طعم وسِقاء.
*****************
نحن فى أمسِّ الحاجة للحصول على هذا الإكسير، إكسير الحب..
الآن نعيش عصوراً نرى فيها كمْ خَرَفَ الحب وهجر الربيع فتساقطتْ أوراقه، وما خَرَفَ وهجر الربيع إلّا من صنع أيدينا نحن بنو البشر.
لقد جرتْ الأطماع فى أوردتنا كمجرى الدم فى العروق فارتشفنا دماء الأبرياء كالعنكبوت المصاصة، واشتعلت القلوب بالحقد والحسد حتى أحرقتْ صغارنا وضعفائنا
العالم يغلى بوقود الكراهية فى صهريج من الأطماع
ذاك الحب الخريفى الذى ما ارتكزتْ أوراقه فى قلوبنا
هجر القلوب ليبحث عن أغصان جديدة
أتعلمون ما هذه الأغصان؟
إنها خيوط العنكبوت.
طُرد بأيدينا فتشرّد وتوحّشَ
هجر من قلوبنا ليسكن بُيوتات العنكبوت
وهن وضعف
غدر وخيانة
قتل وعقوق
رُحماك يارب
لقد تراقصتْ الشياطين على أسطح طبول الحروب، وتضاحكتْ شادية فى آذاننا على خرير دماء البشر، ولذلك فقد ارتأينا أن نبحث بحثاً حثيثاً عن الإكسير.
إكسير الحب
ذاك الأكسير الذى يعصب جبين ذاك الحب المقطوع الوريد.
ذاك الإكسير هو ترياق ذلك الحب الطريح المثخن الجراح فى الجبين والقلب والوريد.
ذاك الإكسير الذى يدرّ عوامل الحفظ والثبات لهذا الحب حتى يسكن فى القلب ويهجر الخريف وأغصان العنكبوت.
*******************
هيا لنبنى معاً مملكة الحب.
نخلص إلى أنفسنا ولو برهة نجثو راكعين
أو نخشع ساجدين
أو حتى نرفع أأكفَّ الضراعة إلى السماء ناظرين
ونضع ضمائرنا خلف القضبان مغلولة الأعناق والأقدام
لابد من المحاسبة لتحرير هذا الحب الذى قيدناه بأطماع النفوس
لابد أن تكون المحاسبة إكسيره
لابد أن يكون الخشوع والانقياد إكسيره.
لابد أن يكون التدبر فى الملكوت إكسيره.
فإذا شرب هذا الإكسير تحررتْ تلك الضمائر
ولن ترتوى الضمائر إلّا بالمحاسبة والرضا والعدل.
فهيا..
هيا معا إلى دعوة للتفكير.
لننهض من رقادنا حال حلول الفجر لنبلل شفاهنا بندى السماء الذى منه وُجدْنا لنعلم أننا مِن نبتة واحدة
ولننتظر تنفس الصبح لنعلم أنه لنا جميعاً.
لنستمع إلى شدو الطيور طيورنا جميعاً.
هيا نقف سوياً حال طلوع الشمس وغروبها
نور وشفق أحمر
نور فى أبصارنا وشفق أحمر دمٌ يجرى فى دمائنا
انتبهتْ لنا بالوهبة والمحبة فهلّا انتبهنا؟
هلّا اتخذنا العبرة من رحمتها فرحَمنا؟
تقولون لى كفى لوماً!!
فهلِ انتهيتم!!
لنذهب إلى تلك الأنهار التى لطالما فتنتا بكنوزها وجمالها لنستوحى من جمالها وكنوزها لوحة الموناليزا الجديدة التى نرى فى كل أبعادها ذلك الإكسير الذى ينساب عذْباً سلسبيلاً فى حلوق الحب.
لننصهر جميعاً بتكويننا ونتجانس كما تجانستْ مكونات كوننا ثم نعدو حتى نصل إلى مملكة الشُطآن التى نغترف منها ذاك الإكسير الذى يروى شرايينا وأوردتنا.
تلك الشطآن التى يأوى إليها الحب ليستقى
تلك الشطان التى شيدناها بالخلاص إلى ضمائرنا وبتدبر كوننا ورسّامونا الذين رسموا لنا الموناليزا الجديدة.
لنتصافى كما صفا غيث السماء
ونتعاقب لأُطر الحياة كما يتعاقب الليل والنهار
وننير وجوهنا بالبسمة كما تنير الشمس
ونتجمل طيباً كما يتجمل القمر
ونتطلع لحضارة باسقة كما تبسق الأشجار
ونكون ساقين العذب كما تسقنا الأنهار.
كل هذا لنوفر لدينا ذاك الإكسير الثمين الذى يتجرعه الحب.
***************
يتكلم (الحب) الآن إلى الـ(لاحب)..
أخى لا تمدنّ يدك إلى جيبك وتُخرج إلىّ سكيناً
خذْ الإكسير من يدى وإخرج لى بدلا منها هدية.
أخى لا تفجّر نفسك وتفجّرنى معك
خذ هذا الإكسير من يدى واحملنى بين يديك تعثّرتْ قدمى.
أخى لا تنظر إلىّ نظرة عنصرية أو نظرة كراهية
خذ هذا الإكسير من يدى وأعلم إنى أنا أخوك
أخى لا تدهس أطفالى وتجوّعهم وتعرّيهم
خذْ هذا الإكسير من يدى وأمنهم وامسح دمعتهم وآويهم
سأحضر لك أخى رايات للسلام فاقرأها
سأحضر لك حمائم السلام فأرسلها
سنزرع ونصنع ونبنى كلنا شرقى وغربى شمالى وجنوبى ونمضى قُدما إلى الأمام نشرب كؤوساً ملآنة بـ
إكسير الحب