يوميا نصطدم بهذا المبدأ حولنا يعكر علينا صفو حياتنا، بل وربما يقرأ هذا المقال من يتبنى هذا المبدأ فى بعض أمور حياته.
قابلت هذا الأمر كثيرا إذا تواجدت فى جمع من النساء ثم أخبرتهن احدى السيدات أن فلانة (التى لا يعرفونها) انفصلت عن زوجها (الذى لا يعرفونه أيضا) فرأيت أغلب الحاضرات تبدين تحيزا ملحوظا ضد الزوج، بل ربما تأخذ احداهن الجلالة فتلعنه و تدعو الله أن ينتقم منه . كل هذا يحدث دون أن تخبرهم ناقلة الخبر بتفاصيل الموضوع.
قابلته أيضا عند مشاهدة مباراة لكرة القدم بحضور مجموعة تضم مشجعى الفريقيين، وفجأة صرخ أحدهم أن الحكم أخطأ حين اعتبر الهدف الذى أحرزه لاعب الفريق (الفلاني) هدفا غير صحيح جاء نتيجة تسلل اللاعب، فوجدت مشجعى هذا الفريق من الحاضرين تبنوا هذا الرأى بينما وجدت مشجعى الفريق (العلاني) المنافس يؤكدون أن الحكم محقا. وبالطبع هناك حقيقة واحدة، وهى إما أن الهدف كان نتيجة تسلل أو أن الهدف كان صحيحا ومقبول أن يكون هناك اختلاف فى رؤية الحاضرين للموقف، ولكن أليس من الغريب أن يجتمع الحاضرون من مشجعى الفريق (الفلاني) على نفس الرؤية، بينما يجتمع نظراؤهم من مشجعى الفريق ( العلانى ) على الرؤية المعاكسة.
لا أخفيكم سرا أن هذه المواقف تزعجنى و تضايقني، لأننى لا أحب هذا المبدأ اطلاقا. و بالتأكيد اصطدمت به فى مواقف أشد أهمية من حواديت نسائية عن طلاق فلانة أو شجار مشجعين أمام مبارة كرة قدم، و لعلنى أنأى عن ذكر هذه المواقف لأن أغلبها له خلفيات سياسية أو طائفية نحن فى غنى عن الحديث عنها الآن. لكن موقفا بعينه أعترف أنه قد أصابنى بصدمة لم أتوقعها.
لعل بعضكم يذكر خبر عن واقعة قتل (سايس جراج) على يد (طبيب). لن أتحدث إطلاقا عن الواقعة وخاصة أنها قيد تحقيقات النيابة، وأنا أحترم أن نترك العدالة تأخذ مجراها على يد السلطات المختصة دون محاولة الخوض فى أى تفاصيل تخص القضية. ولكن ما أريد التحدث عنه هو ردود أفعال غريبة رصدتها تجاه هذا الخبر. فوجئت أن كثيرا من التعليقات تقول (السايس يستاهل ويا ريت كل سايس ينال نفس المصير).
أعلم أن وظيفة السايس تثير استياء الكثير من أصحاب السيارات (بالرغم من أن أمثالى الذين لا يجيدون فن ركن السيارة يبحثون دائما عن السايس لينجدهم)، ولكن هل انزعاجى من وظيفة معينة أو من شخص معين يبرر لى أن أهدر دمه ! حضرتك مدرك أنك تتحدث عن روح بنى آدم !
لا أحتاج أن أذكر أغلب هذه التعليقات صدرت من (أطباء)، لعله تحيزا لزميل المهنة! ولكنك أيها الطبيب منقذ الأرواح ومخفف الآلام وملاذ كل موجوع فأرجوك انتبه لكلماتك وردود أفعالك، فهناك روحا قد أزهقت فلتقل خيرا أو لتصمت .
أؤكد لكم أن أى طبيب من الذين تحيزوا فى ردودهم لزميل مهنتهم إذا جاءه هذا السايس المجنى عليه و بجسده الروح لم تفارقه بعد، لم يكن ليدخر جهدا فى إنقاذه كعادته دائما مع المرضي. و لكننا للأسف أصبحنا نجيد شحن النفوس بالكراهية و التحيز بكلمات لا نلق لها بالا.
عزيزى القاريء، أرجوك انتبه لردود أفعالك و كلماتك فنحن فى أشد الأوقات احتياجا إلى الإنصاف و نبذ الكراهية حتى لا نندم بعد أن يلتهم مجتمعاتنا ذلك الوحش الذى يتغذى على الكراهية و العنف فوقتها لن ينفعنا الندم .
وتذكر جيدا قول النبى صلى الله عليه وسلم:
"فليقل خيرا أو ليصمت".