أليس من حق الروح أن تتألم؟ إذا كان الجسد يمرض ويعانى فإن الروح أيضاً تمرض وتعانى وتتمنى لو كان بإمكان صاحبها أن يبوح بما داخله من اضطرابات وآلام تكاد تقضى عليها.
ذهب فلان للطبيب النفسى ولم يخبر أحدا فهو يشعر باكتئاب شديد ولكنه يخشى أن ينعته أقاربه ومعارفه بالمجنون، ترغب فلانة فى الذهاب للطبيب النفسى ولكن أهلها يرفضون بشدة، هى تواجه مشكلة نفسية تؤرقها كثيراً ولا تستطيع البوح بما فى داخلها لأحد، تزداد المشكلة وتتحول الاضطرابات النفسية البسيطة لمرض نفسى يصعب أو يستحيل علاجه، فقد رأى الوالدان أن ابنتهما "بتدلع شوية" والذهاب للطبيب النفسى فضيحة بكل معانى الكلمة، فهو طبيب المجانين!!.
لا ليس الطبيب النفسى بطبيب للمجانين بل هو طبيب لكل شخص منا، وصديق لن ينافق أو ينحاز لأحد، صديق اخترت أنت أن يسمعك وينصت لحوارك الداخلى مع نفسك، نفسك التى تشكو إليك يومياً من صديق ادعى الوفاء وغدر، أو زوجة أخلصت لها بشدة وقررت هى خيانتك، وقد يكون بسبب حبيب وعد بأمور عديدة ولم يحقق أياً منها، أو شخص مُصر على إحباطك أو مقارنتك بغيرك وأنت ترفض ذلك، كما قد يكون السبب فقدانك أو افتقادك لشخص يمثل لك الحب – الوفاء – الأمان – الدعم – الصحبة الحلوة أو على الأقل كان الوحيد الذى يفهمك، كما قد تشكو نفسك وتتألم وأنت لا تستطيع أن تعرف لما تتألم، وتتساءل لما أشعر بكل هذا الضيق.. لما تصرخ نفسى وتستغيث يومياً ؟
يرفض الكثير من الآباء والأمهات الاعتراف بأن أحد أبنائهم يعانى من مشكلة نفسية وأنه بحاجة لزيارة الأخصائى النفسى أو الطبيب النفسى (حسب الحالة )، غافلين أنهم قد يكونون السبب الرئيسى لتك المشكلة النفسية، أو سبباً فى تفاقمها بسبب الخوف من كلام الناس "الى لا بيودى ولا بيجيب"، ورغم أن العديد من عيادات الأمراض النفسية تمتلئ بالمرضى أو الأصحاء ممن يشكون هموم الحياة وضغوطها، إلا أنه مازال هناك "عقدة الذهاب للطبيب النفسى" أو الخوف من الاعتراف بالذهاب تجنباً لـ"وصمة العار".
دعنى أخبرك عزيزى القارئ أنه لا يوجد شخص منا سليم نفسياً 100%، ولكن تختلف درجة السلامة النفسية من شخص لآخر، وكلمة عاقل لا تعنى بالضرورة أن العاقل لا يعانى من مشاكل نفسية، ولكنها تعنى أن تصرفاته فى الحدود الطبيعية المتعارف عليها.. كما أنه ليس كل من يذهب للطبيب النفسى هو مريض، فقد يكون فعلاً مريض يحتاج للعلاج وقد يكون شخص معافى تماماً ولكنه يفتقد للثقة بمن حوله ويرغب فى التحدث لشخص لا يعرفه ويضمن أنه لن يبوح بأسراره لأحد، كى لا ينفجر بسبب عدم القدرة على البوح بأسراره أو مشكلاته، أو قد يكون وحيداً ولا يملك من يحاوره، أو أنه فى حاجة لنصيحة من شخص لديه الخبرة الكافية والقدرة على إرشاده ونصحه لمواجهة مشكلته أو محنته.
الكل معرض لأن يصاب بمرض نفسى أو يواجه أزمة نفسية حادة، إما بسبب عوامل وراثية أو أسرية أو حياتيه، فإذا شعرت بالرغبة فى الذهاب للطبيب النفسى إذهب ولا تتردد، فلن يشعر أحد بآلامك سواك أنت وحدك، ولا تشعر بالخجل أبداً من الاعتراف بالذهاب، فعندما يعترف الجميع بأن الذهاب للطبيب النفسى شىء طبيعى" زيه زى الذهاب لطبيب الأسنان والباطنة... إلخ" ستتغير ثقافة المجتمع ولن يخجل أو يخاف أحد فى المستقبل من الاعتراف بوجود مشكلة نفسية أو مرض نفسى بحاجة للعلاج، كما لن يخجل أحد من الاعتراف بالذهاب للطبيب أو الأخصائى النفسى.
وهناك فرق كبير ما بين الطبيب النفسى والأخصائى النفسى، فالطبيب النفسى يكون حاصلاً على بكالوريوس فى الطب النفسى، ويعتمد فى تشخيصه على الأعراض القائمة أمامه واهتمامه ضئيل بالتاريخ المرضى للحالة والعلاج الأساسى لديه هو الأدوية والعقاقير النفسية للسيطرة على الأعراض دون الكشف عن الأسباب الأساسية للمرض ودون تدخل منه فى علاجها فبمجرد أن يمتنع المريض عن الدواء الموصوف له ينتكس ويعود لحالته السابقة، وغالبا ما يهتم الطبيب النفسى بالأشعات والتحاليل ورسم المخ الكهربائى، بينما يعتمد الأخصائى النفسى فى تشخيصه على دراسة الحالة وتتبع الأعراض القائمة أمامه بالإضافة إلى اعتماده على المقاييس والاختبارات النفسية وتتبُع مراحل العمر المختلفة للمريض لمعرفة الأسباب الأساسية للمرض وعمل خطة علاجية على هذا الأساس دون تدخل للأدوية الكيماوية فضلاً عن قيامه بالمتابعة مع المريض حتى زوال المرض وتأكده من استعادة المريض لصحته واعتماده على نفسه.
لذا من اليوم لا تخشى من نظرة المجتمع السخيفة لمن يذهب للطبيب النفسى، كى لا تتحول الاضطرابات النفسية البسيطة لأمراض نفسية مزمنة تعذب المريض وتعذب من حوله، فبمجرد اعترافك بوجود مشكلة تكون قد اجتزت نصف الطريق لحل هذه المشكلة.. وإذا وجدت شخصاً ما يصف من يزور الأطباء أو الأخصائيين النفسيين بأنه مجنون، أسئلة هل أنت معافى 100%؟ فإذا كانت إجابته نعم وصمم على ذلك، قل له بكل ثقة "اثبت إنك عاقل".