حينما نتكلمُ عن أهم أسباب الإحباط، يكونُ لزاماً أن نتكلم عن أولئك الذين يجعلون كاملَ ثقتِهم فى أناسٍ بعينهم، فحينما تبنى بكلماتِ أحدهم جبالاً من الأحلام، تنهارُ على رأسك فتُرديك محبطاً يائساً لتقع فى شِراك اليأس لأنك لم تحسن التقدير ووضعت كلَّ طموحاتِك فى يدِ غيرك ما لشـيءٍ إلا لأنك قاصر الفكر متواكل لا تعرفُ معنى الاجتهاد.
لتكونَ أنت من جنيتَ على نفسِك لأنك أنت مَن قررتَ أن تعتمدَ على من لا يملكُ لنفسِه نفعاً ولا ضرا، ولم تجعل له بديلاً لتوجهَ الروح والطاقة فى اتجاهٍ واحدٍ ليس مضموناً على الاطلاق.
وما أسلفنا ليس دافعاً لفقدان الثقة فى الآخرين بل هو حضٌ على التعقُّلِ حينما تسمعُ وعوداً من الآخرين لأنَّ كثيراً من الناس يعدُ بما لا يملك، بل إن شئت قل يعدُكَ ليُداوى بعضَ النقص بداخلِه بإظهارِ عنتريتِه وقدرتِه الوهمية، ليتوهمَ السطحيُّون من البشـر أن أولئك المرضى ممن يعدون بما لا يملكونَ هم ودون غيرهم من يملكون لهم كلَ الحلول، ليتركوهم فى دركات اليأس حينما يتفاجؤون بحقيقةِ مبالغاتهم وكذبهم والحقيقة أن من يثق بمثلِّ هؤلاء يستحق ما يجنيه بسبب سطحيتِه وسلبيتِه الطاغية.
الحل الأمثل فى هذه الحياة أنك تسعى سعياً أكيداً ومرتباً للوصول للهدف وأن يكونَ قبولك للوعود فى حدود العقل ولابد أن تتيقن أن كلَّ شيءٍ بيد الله وتمامُ الأمر دائماً معلقاً بإرادتِه سبحانه، فينبغى عليك أن تحتملَ كل النتائج مهما كانت قاسية، وأن تعطى لكلِ شيءٍ قدره دون المبالغة التى تخدع النفس وترفعها أعلى الدرجات فى عالمٍ من الخيال تكونُ عاقبته أسوأ من أى حقيقة مُرَّه ومن أى واقعٍ قاسى.
ثم نأتى للثقة فى الله تلك الثقة التى لا تقبلُ التشكيك، والتى تجعلُ منك إنساناً عقلانياً تعرفُ تمام العلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، والتى ترسِّخُ بداخلك مبدأ الرضا بقضاء الله، والنية الصادقةِ لإجتهادٍ لا يفتُر ورضا لا ينضب ويقيناً لا يتزعزع.
إن من يستبدل الثقةَ فى البشـرِ بالثقة فى الله، يُلهَم الفراسة التى تجعله يثق فيمن يستحق الثقة، ومن يفقد يقينَه فى ربِّه يكون كمن وضع نفسَه فى بحرٍ لُجِّى لا يستطيعُ أن يرى كفيه من الظلام الذى يحيا به لأنه استبدل النورَ بالظلام والراحة النفسية بالتعاسة الأبدية.
إن من وثق بربِّه وتوكلَ عليه لن يخسـرَ أبداً فى معركة الحياة، ولن يغرَقَ فى بحر الحياة الذى لا يقلُ عبابُه ولا يهدأُ موجُه إلا بالاعتماد على الله والرضا بقضائه، اعتماداً لا يعرفُ التكاسلَ بأى حالٍ من الأحوال بل لا يعترفُ بمعنى التخاذل حيثُ أنه لا مكان للمتخاذلين فى طريقِ التوكُلِ على الله، ليكونَ أولُ شروط الثقة بالله هو التوكل وليس التواكلُ بأى حالٍ من الأحوال.
الآن جدد اليقين بالله وثِق فى الناس من منطلقِ ثقتِك بالله فإنهم لا يملكونَ لأنفسِهم نفعاً ولا ضراً فكيف يملكون لك، ودوماً اجتهد فى الدعاء، فإن اجتهدت فى الدعاء فإن الله سيسخرُ لك من الناس من إذا قال فعل وإذا وعد أوفى ما لشيءٍ إلا لأنهم ينفذون مرادَ الله فى خلقِه، حقاً من كان اللهُ معه فمن عليه ومن كان الله عليه فمن معه، ربنا تقبلنا واجعلنا من المتوكلين عليك وسخر لنا من عبادك الصالحين.