يُعرف اسم بطرس بأنه اسم علم أعجم مذكر بمعنى الصخرة وربما قليلا جدا أو نادرا ما تتشابه معانى الأسماء مع من يحملها، ومن هذه الحالات الشديدة الخصوصية فقيد مصر وإفريقيا والعالم الراحل الدكتور بطرس غالى، السكرتير العام السادس والأسبق لمنظمة الأمم المتحدة فى الفترة من 1992 : 1996 وهى الفترة التى شهدت تحولات عدة على المستوى العالمى عامة والمستوى العربى خاصة فى فترة سادت فيها صراعات فى رواندا والصومال وأنجولا ويوغوسلافيا السابقة وعلى المستوى العربى بعد شهور قليلة من حرب الخليج والغزو العراقى للكويت، كما ترأس منظمة الفرانكوفونية بعد تركه للأمم المتحدة بسبب استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو ضده لمواقفه الإنسانية والأخلاقية، والتى أضفت على دبلوماسيته بريقا ورونقا خاصا.
ربما لا أريد أن استطرد فى مواقف ومحطات مضيئة فى حياة أيقونة الدبلوماسية المصرية والسياسة الدولية، ولكنى أتوقف أمام هذا الإنسان الذى شُرفت بلقائه مرتين بالمقر البابوى بالعباسية إبان فترة عملى هناك فى السنوات الأخيرة لحبرية الراحل البابا شنودة الثالث.
لأرصد وأتأمل ذلك الإنسان العظيم فى عمله والبسيط والرائع فى أخلاقه وحديثه ومبادئه وقتما كان يجلس مع البابا شنودة وكيف كانت العلاقة بينهم شديدة الخصوصية والعمق والمحبة الاحترام المتبادل حتى فى أشد الأوقات صعوبة وقتما كان مهندس معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى سبعينيات القرن الماضى ودوره البارز مع الرئيس السادات وثقة الرئيس فيه وأحاول أن أدقق وأتعمق بالبحث هنا لا أرى إنسانا استطاع وبكل حرفية وترفع أخلاقى ودبلوماسية شديدة أن يفصل بين بطرس غالى الدبوماسى المصرى المحنك والعنيد كما "الصخر" فى حقوق بلاده ووطنه.. وبطرس غالى المسيحى القبطى الذى يُقدر ويحترم كنيستهْ ولا ينزلق كما انزلق كثيرون فى هوة الخلاف بين الرئيس السابق السادات وقداسه البابا شنودة الثالث "محاولين تحقيق مكاسب شخصية"، ويحظى بتقدير ومحبة واحترام طرفين كانا على قمة الخلاف.
نعم كيف استطاع هذا "الصخرة" العظيمة فى عالم الدبلوماسية المصرية أن يفصل بين دوره الوطنى والمهنى وواجبه تجاه كنيسته دون الإخلال بأى منهما ودون أيضا سياسة مسك العصا من المنتصف أو محاولة كسب رضاء طرف دون الآخر.
وسريعا استرعى انتباهى ذلك الموقف لأضعه فى السيرة الذاتية الطويلة والفريدة والعظيمة، لذلك الراحل لندرك ونعلم ونتعلم كيف تكون الوطنية والحرفية فى العمل على التوازى مع الارتباط الدينى بمؤسسة دينية ورئاستها، وهى حكمة بالغة قليلين جدا من ينعم عليهم الله بها.
ربما نستطيع أن نعرف بضغطة سريعة فى عالم الإنترنت تاريخ تلك الشخصية العظيمة ولكننا أيضا بحاجة شديدة فى أيامنا هذه لنتعلم ونقف بالبحث والتحليل والدراسة أمام تلك الأخلاقيات وهذا السمو فى التعامل ونحن وقت غلبت فيه المصالح الخاصة والمنافع على مصالح الأوطان وخيرها . ووقوف الإنسان أمام ربه.
كم نحن فى حاجة شديدة لاستقاء تلك الأخلاقيات والمُثل العليا فى أيامنا هذه
حقاً كان صخرة . صخرة عمل ومبادئ وإيمان وأخلاقيات وحرفية
رحم الله.. الدكتور بطرس بطرس غالى... أيقونة الدبلوماسية المصرية وابن إفريقيا ومصر وكنيستها القبطية الأرثوذكسية البار والأمين.