كان رجلاً غليظ الملامح، أسمر اللون، طيبته تتحدى ملامحه الغليظة، قادم من أرياف مصر، يكاد يعرف القراءة والكتابة.
نزح من بلاده إلى القاهرة فى سبعينيات القرن العشرين، لم يستطب مهنة المعمار والبناء مثل أقرانه، لكنه اتجه اتجاها مغايرا، أقام كشكاً لتأجير القصص والكتب لطلبة المرحلة الإعدادية والثانوية.
واستحدث نظاماً محكماً للاستعارة، فكان لكل طالب كراسة بها بياناته كاملة مع تزكية من مشترك سابق له لضمان الجدية، وكان نظام استعارة القصص 5 قروش فى اليوم للقصة أو المجلة، وعشرة قروش للأعداد الجديدة والخاصة.
إنه عبد المجيد، ذلك الرجل الذى بنى جيلاً فى ثمانينات القرن الماضى ولحسن حظى كنت واحداً منه.
كنا نحبه ونطلب منه توفير الكتب التى نريدها والتى لا تتوفر عنده، كنا نتحايل على نظامه ونبدل بيننا القصص فيقرأ الواحد منا قصتين بخمسة قروش، زرع فينا حب القراءة والاطلاع والبحث عن المعرفة.
كنا طلاباً فى المرحلة الإعدادية، وكان عددنا يزيد يوماً بعد يوم، نتزاحم على كشك القراءة بعد الخروج من المدرسة وننفق كل ما ندخره للفوز بوجبة دسمة من المعرفة تربينا على ألغاز لرجل المستحيل ومجلات ماجد وسمير وبطوط وسلسلة "كل شىء عن" و"أجاثا كريستى" وغيرها الكثير والكثير.
أين جيل اليوم من القراءة والاطلاع؟ وأين عم عبد المجيد ؟ سنوات كثيرة مضت وتغيرت نظرة الطالب وولى الأمر للمعرفة، فكل ما يهم ولى الأمر حشو رأس ابنه بالمناهج الدراسية ويستعين لذلك بجيش من المدرسين الخصوصيين لحشو الرأس الصغير بكل المناهج.
المعرفة والقراءة أساس الشخصية السوية لمواجهة المستقبل ودنيا ما بعد الدراسة.
عزيزى ولى الأمر ليس النجاح بدخول ابنك كلية الطب أو الهندسة، وإنما النجاح هو الجمع بين العلم والثقافة لخلق جيلاً يحب المعرفة، لآن المعرفة والثقافة تهذب الأخلاق وتنقى الروح وتزرع الفضيلة فى النفس البشرية.
أطفالنا أمانة بين أيدينا، لا نتركهم فريسة لإدمان الكمبيوتر والألعاب المنتشرة عليه، القراءة هى مفتاحنا للمستقبل.
لا نزال نذكرك عم عبد المجيد شكراً لقد زرعت فينا أكثر ما زرع الآباء فينا.
شكراً عم عبد المجيد فقد بنيت جيلاً من المثقفين.
وخير دليل على نجاحك هذا المقال شكراً يا زارع المعرفة.