تخيل نفسك تغنى أو تصيح بصوت مرتفع وأحد المارة لم يعجبه ما تغنيه أو تصيح به، واعتبر ما يخرج من فمك إثارة للفتن وإخلال بالنظام العام، فهذا سيؤدى فورا إلى تطبيق المادة 102 من قانون العقوبات والتى تنص على أن كل من جهر بالصياح أو الغناء لإثارة الفتن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائتى جنيه، فهذه المادة من قانون العقوبات حوكم بها الكثير من الموسيقيين والمطربين والشعراء مثل سيد درويش وبيرم التونسى فى عهد الاحتلال البريطانى، والغريب أن هذه المادة من قانون العقوبات ما زالت موجودة.
تخيلوا معى يا سادة أننا بعد كل ما حدث من ثورات تنادى بالحريات فى الفكر والتعبير لم تغير تلك المادة 102 ولا المادة الأخرى 102 مكرر التى تنص على أن من نشر الأخبار أو الإحصاءات أو الشائعات التى يمكن أن تؤدى إلى الإخلال بالأمن الوطنى، أو ترهيب الجمهور، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة يعاقب بالسجن والغرامة أيضا.
وبخلاف هذه المادة هناك مواد أخرى كثيرة يجب حذف بعضها وتعديل بعضها الآخر، وهذه هى مهمة المخرج والبرلمانى خالد يوسف والذين معه فى اللجنة الثقافية التى لم تتشكل بعد، ولكنه يعمل تحت مظلة ائتلاف (25 ـ 30)، الذى يحاول حاليا رصد تلك المواد التى بها عوار وتسىء للفنون والثقافة وحرية الإبداع، ومنها المادة (161) التى تخص تقليد احتفال دينى فى مكان عمومى أو مجتمع عمومى بقصد السخرية به أو ليتفرج عليه الحضور.
ففكرة السخرية أو الفرجة لن نستطيع أن نحددها بمقياس معين، فما يراه البعض سخرية ربما لا يراه البعض الآخر سخرية، فالمطاطية فى الألفاظ هى الأزمة التى نواجهها مع كل متشدد يريد أن يصنع لنفسه شهرة، وهذه المادة قريبة الشبه أيضا بالمادة الأخرى الخاصة بازدراء الأديان "98 أ"، وكلنا يتذكر المحامى الذى كان يبحث عن شهرة وقام برفع دعوى قضائية على الفنان عادل إمام، موجها له تهمة ازدراء الأديان على أعمال فنية قدمها.
قانون الحسبة أيضا (رقم 3 لسنة 96) من القوانين التى يجب أن يتم حذفها وإلغاؤها نهائيا، فهذا القانون كان ضحيته الكثيرون من المبدعين من الكتاب والفنانين والمنتجين، وكانت آخر ضحاياه رنا السبكى، وعلى حد معلوماتى أن قضايا الحسبة جزء من محاولات السياسيين والمتسترين بالدين لاستغلال بعض الثغرات لإرهاب الكتاب والمبدعين.
من المفترض أن القانون المصرى ليس فيه ما يسمى قانون الحسبة، وأن هناك نصا فى قانون المرافعات ينص على أن رافع الدعوى لابد أن تتحقق له مصلحة شخصية، ومنذ عدة سنوات أضيف لها نص آخر بخصوص الدعاوى المطالبة بالحقوق العامة، بحيث لا ترفع إلا بمعرفة النيابة العامة، وعلى ذلك فأى شخص يرفع دعوى لا تحقق له مصلحة شخصية يقضى بعدم قبولها، ولكن هذا لا يحدث على أرض الواقع، فالكثير من المحامين وباحثى الشهرة يقومون برفع دعاوى قضائية ضد المبدعين بحجج ازدراء الأديان أو خدش الحياء أو أى شعار رنان يكسبون به تعاطف الرأى العام.