تقترب ذكرى السير ألفريد هيتشكوك أشهر منتج ومخرج أفلام فى هوليوود والملقب بسيد التشويق، هذا المخرج الذى بدأ حياته المهنية عام 1919 بكتابة العناوين الفرعية للأفلام الصامتة فى استوديو لاسكى بلندن، ليصير بعد ذلك أهم مخرج عرف فى تاريخ السينما العالمية وأكثرهم نجاحا فى مزج الرعب والتشويق بالجنس بالكوميديا، وأخرج هيتشكوك على مدار حياته المهنية التى امتدت إلى ستة عقود أكثر من خمسين فيلما جعلت هيتشكوك مخرجا فريدا، وأصبحت بمثابة علامات سينمائية لن تمحى من الذاكرة، مثل فيلم "Rear Window"، وفيلم "Vertigo"، و"Psycho"، و "The Birds"، و"North By North West"، و "Notorious".
وقدم مخرج الأفلام الوثائقية الشهير كينت جونز مؤخرا فيلما وثائقيا جديدا حول المخرج البريطانى ألفريد هتشكوك بعنوان "Hitchcock/Truffaut" يتتبع فيه المقابلة التى عقدت منذ 54 عاماً بين هيتشكوك والمخرج الفرنسى الكبير فرنسوا تروفو، حيث جمعهما حديث من القلب للقلب فاض فيه العبقرى الإنجليزى بالكثير حول أفلامه "psycho، vertigo ، the man who knew too much" وتحدث أيضا عن ظروف التصوير، الممثلات، بعض الحكايات من الكواليس، والضغوطات الإنتاجية خلال 79 دقيقة فى مادة وثائقية ترصد الكثير من المواقف، والجلسات التى جمعت المخرجين وجعلتهما مادة جاذبة لوسائل الإعلام المختلفة ومحبى الفن.
تبدأ أحداث الفيلم فى عام 1962، حينما أغلق كل من المخرجين الفرنسى فرانسوا تروفو والبريطانى ألفريد هيتشكوك الباب عليها فى مكتب الأخير فى استديوهات يونيڤيرسال فى هوليوود، وتحدّثا عن السينما لمدة أسبوع، فى عام 1966 نشر تروفو الحوار فى كتاب خاص، وكان فى حينها مخرجاً أنجز ثلاثة أفلام أبرزت اسمه كواحد من مؤسسى الموجة الجديدة فى السينما الفرنسية، أما هيتشكوك فكان أحد أهم المخرجين عالمياً فى حينه، وكان ينهى فيلم "The Birds"، فيلمه الطويل الثامن والأربعون والرائع، وأتى اللقاء ومن بعده الكتاب ليكون مادّة نظريّة يطرح من خلالها هيتشكوك رؤيته للسينما مفصّلاً، من خلال أجوبته على أسئلة تروفو، فى كل فيلم له على حدى، إضافة إلى المواضيع السينمائية العامة
الحوار بين المخرجين التى تعد بعض أفلامهما اليوم من بين أهم ما تم إنتاجه فى تاريخ السينما، لم يقدم طرحا لأسلوب هيتشكوك السينمائى فحسب، بل لعموم العمل السينمائى، لذلك كان للحوار مساهمته الأساسية للمكانة السينمائية لكل من طرفيه وتحديداً هيتشكوك، فى نقل مركز الثقل فى السينما من الصناعة إلى الفن، أو من ملكية شركة الإنتاج للفيلم إلى ملكية المخرج له، والحديث هنا عن الفيلم كعمل فنى وليس كمنتج ترفيهى، ولعل أكثر ما أعطى للحوار نكهة وقيمة كان التباين بين الاثنين، دون أن يكون ذلك تنافسيا، فـ"هيتشكوك" حاله كحال جان رينوار وروبيرتو روسيلينى وآخرين، كان معلّما فى السينما بالنسبة لتروفو. وكان لفارق العمر بينهما ولفارق اللغة السينمائية والخلفية الثقافية والمعرفية تأثيرها فى إضفاء تنويعاً وحيوية فى الحوار، وساعد ذلك تروفو على طرح قراءة مغايرة لأعمال هيتشكوك، أى طرحها كأعمال فنية بقيمة عالية فى وقت كانت هوليوود تنظر إليها كأعمال تجارية ترفيهية بقيمة عالية.
الفيلم يتناول كل ذلك، مضافاً إليه لقطات وصور أرشيفية، ومقاطع مسموعة كون اللقاء تم تسجيله، إضافة إلى مشاهد من أفلام هيتشكوك تعرض بالتوازى مع تعليقه عليها، إضافة إلى رؤى مختلفة لعشرة نقاد تناقش اللقاء وأعمال هيتشكوك من ناحية جمالية وتقنية وروائية، كل ذلك يجعل من الفيلم إعادة قراءة معاصرة لأعمال هيتشكوك، وتالياً محفزاً على إعادة مشاهدتها أو مشاهدتها للمرة الأولى، وإن كان الكتاب يقدم نص اللقاء بينهما، مع صور للقاء، فإن الفيلم بالمقاطع الصوتية التى يحويها أعطى للنص حياة نظرا لعمق الأسلوب الذى يسأل به تروفو ويجيب به هيتشكوك.