لم يُكتب لأحد فى عالم الموسيقى الخلود، كما كُتب للأستاذ محمد عبد الوهاب، عاش حياته نجما فى الموسيقى والغناء.. سبقته أجيال وخرجت معه أجيال وأعقبته أجيال، بعضهم أحدث طفرة فى عالم الموسيقى، لكن لم يستمر منهم أحد، وبقى عبد الوهاب وحده متفردا لحنًا ونغمًا.
اليوم تمر ذكرى وفاته الـ 25، ولازال عبد الوهاب هو الأستاذ.. مكانته لا يقترب منها أحد ولن يقترب.. وهنا يبدو السؤال كيف صنع عبد الوهاب مجده وتاريخه؟.. الإجابة ليست فى موسيقى الأستاذ أو فى مشاعره أو إحساسه أو "دندنته" فقط، لكن فى "دماغه" وفكره، فهو ليس شخصا عاديا بل لديه وعى وثقافة (تجمع بين الشرقى والغربى) وذكاء لا يمتلكه موسيقى، هذا الذكاء يتخطى ذكاء العندليب عبد الحليم حافظ _والمتأمل لمراحل عبد الوهاب العمرية المختلفة يدرك ذلك.. كيف غنى وهو صبي ومراهق وشاب وفجأة امتنع عن الغناء ربع قرن ثم عاد برائعة من غير ليه- أيضا السر يكمن فى مشوار هذا الموسيقار الذى بدأه فى الخفاء بالغناء لسلامة حجازى وصالح عبد الحى فى الموالد والأفراح تحت اسم مستعار "محمد البغدادى"، وما لبث حتى بقى ملء السمع والبصر.
كلمة السر فى حياة الأستاذ.. هما زوجته نهلة القدسى والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، أحب العندليب كثيراً وكذلك هو، وبكى –بالدموع- عندما علم بخبر وفاته.. اعتقد أن الأستاذ فى هذه الفترة كان "يستقوى" بحليم يراه سلاحه القوى الذى يهزم به الجميع وبالفعل كان كذلك، ظل الإعلام يعقد مقارنة بين عبد الحليم وفريد الأطرش تارة، وبين العندليب وأم كلثوم تارة أخرى وابتعدوا عن مقارنته بعبد الوهاب.. قال موسيقار الأجيال فى حديث تليفزيونى: "حليم كان يمثل شيئا كبيرا لدى وهو قطعة منى.. كان مهتما بى جدا، وكانت لديه رغبة فى أن يشاهد ما أفعله ليفعل مثله، وهو ما قرّبنى إليه أكثر".. وفى حديث آخر أجراه معه عبد الحليم أذاعته الإذاعة المصرية سأله: "مين أول واحد تسمعه لحنك"؟ أجاب الأستاذ: "أنت طبعا".. فضحك العندليب وقال له "طيب غيرى أنا مين"، فرد "زوجتى نهلة".
عبد الوهاب كان "محظوظا" نعم.. إذ تبناه أمير الشعراء أحمد شوقى وعلمه أسلوب الكلام و"اتكيت" الطبقات الأرستقراطية، وقدمه للأدباء عباس العقاد، طه حسين، والمازنى، وللساسة سعد زغلول والنقراشى وغيرهم، بل أطلعه على الثقافات الغربية، لكن موهبة عبد الوهاب أكبر من حظه لذلك أصبح تراثا للأجيال.