يحل اليوم الخميس ذكرى رحيل الموسيقار سيد درويش حيث كانت الوفاة فى مثل هذا اليوم 15 سبتمبر 1923، واختتمت حياة فنان عبقرى عمره 31 عاما مواليد 17 مارس 1892، وكان إحساس سيد درويش بقصر رحلته فى الحياة يتلخص فى عبارة تقليدية، ينطلق بها لسانه دائما أثناء حديثه وهى: "يا مين يعيش" وهى تشرح فلسفة "أن أيامه فى الحياة معدودة، ومن أجل هذا الإحساس الدفين كان طابعه الإسراف والتدفق والانطلاق والحركة الدائبة "حسب وصف عبدالنور خليل" فى كتابه "المعمون فى الطرب" "دار الهلال القاهرة"، مضيفا "كان كالقدر الذى يغلى ماؤه على النار، يفور ويتدفق، ولا ينفع حيال تدفقه وغليانه شىء، كان شديد الاندفاع، سريع الاستجابة لخواطر عبقريته فى العمل، جياشا دافئا متحركا إلى حد الثورة فى أحاسيسه وعواطفه ومطالبه الذاتية، وكان يريد أن يأخذ من حياته كل شىء، وأن يعمل فى حياته كل شىء قبل أن تمضى عنه هذه الحياة".
مضت حياة سيد درويش مقسومة بين عبقريته فى العمل ومطالبه الذاتية، وعلى صعيد عبقرية العمل يصفه عباس محمود العقاد فى مقال له بصحيفة البلاغ 29 سبتمبر 1925 بإمام الملحنين ونابغة الموسيقى المفرد فى هذا الزمان، وجاء انفجار عبقرية العمل استجابة طبيعية لمقاومة شعب ضد الاحتلال الإنجليزى، وحسب عبد النور خليل، كان يخفى تحت عمامته ثورة غاضبة قلبت كل الموازين فى الأسلوب التقليدى للغناء فى عصره، لكنه أيضا كان طرازا فريدا من الثوار اختزن كل معاناة شعبه، وأراد أن يشق طريقا يشاركه به هذه المعاناة والمقولة التى رددها البعض بأن ثورة 1919 فى مصر كان لها زعيمان سعد زغلول وسيد درويش صحيحة إلى حد كبير، ويروى الشيخ يونس القاضى مؤلف أغانى، أن سيد درويش طلب مقابلته ذات يوم فذهب إليه فى البنسيون الذى كان يسكنه فى درب المهابيل، وأخبره أنه يريد أن يتفاهم معه على توجيه الأغانى إلى غير الموضوعات الغرامية والعاطفية وما إليه من وجد وهيام وشكوى هجر المحبوب، ونجح سيد درويش حتى قبل أن تنشب الثورة فى مارس 1919 أن يجمع حوله مجموعة من الشعراء والزجالين والكتاب والأدباء الوطنيين الثائرين كانت مبعثرة قبل أن يستقر فى القاهرة عام 1917.
أما عن القسم الثاني لحياته وهى مطالبه الذاتية فتجسدت فى إدمانه للمخدرات، بالإضافة إلى ما يذكره خليل: كان معروفا عنه شغفه بالغوانى وبنات الليل ومطربات الصالات، وكان يختار حبيباته وعشيقاته ضخام الجثة عريضات الصدور راسخات الأعناق، كذلك النوع الذى كان يفضله السلطان عبدالحميد فى إستانبول، ويسميه على سبيل المداعبة بقرات أرمينيا، ومن هذا النوع عشق جليلة أم الركب.