لا يتوقف المحامى الذى يشبه اسمه اسم مذيع كبير شهير عن رفع قضايا حسبة ليصور نفسه وكأنه حامى حمى الأخلاق فى مصر، وهو ما يصنع له شهرة فيصبح صاحب كلمة ورأى يلجأ له الإعلاميون فى كل موقف وحكاية لها علاقة بالأخلاق والفضيلة، حتى أن الرجل استضافوه فى أحد البرامج وراح يدلى بدلوه فى الأعمال الفنية وكيف يجب أن تكون، وذلك لأنه قدم بلاغا ضد محمد السبكى وابنته رنا، منتجى فيلم "ريجاتا"، الذى ذكر فى اتهامه أنه يحوى مشاهد خادشة للحياء، الاتهام المطاط الذى يتسع حسب رغبة قائله، وقد تحول البلاغ لقضية وتم الفصل فيها والحكم على رنا السبكى بالحبس سنة لأنها منتجة فيلم "ريجاتا".
فيلم "ريجاتا" ليس فيلما عظيماً رائعاً وقيمة فنية فائقة ندافع عنها لذاتها، ولكن الأمر صار جد خطير لو تدركون، فحين يتم حبس منتجة سنة لأنها أنتجت فيلما أجازته مكتوبا الرقابة التى هى أحد أضلاع وزارة الثقافة التى تمثل الدولة، ثم أجازته مرة ثانية كمصنف مصور وهى الجهة المخول لها مراقبة الأعمال الفنية، ثم يأتى عابر سبيل غاوى شهرة يدعى أن هذا العمل خدش حياء سيادته ويلاحق منتجته قضائيا، فتلك مصيبة كفيلة بأن تدمر البقية الباقية من صناعة مصرية كانت فى يوم ما أهم صناعة بعد القطن، وهى أيضاً التى جعلت وغيرها من عوامل مصر هوليوود الشرق وقبلة الثقافة.
فى التاريخ البعيد والقريب سمعنا وقرأنا وعايشنا قضايا كان أطرافها فنانون يواجهون صلفا وديكتاتورية حكام يخافون فيلم، مجرد فيلم سينمائى، لأنه يفضح ظلما أو يشير لممنوع حتى بالهمس.
ولكن يأتى علينا زمن نعايش فيه حبس فنان أو منتج لأنه خدش حياء واهم من أجل شهرة، فذلك هو العبث بعينه والهزل الذى يتحول لجد بحق وحقيقى.
ولا أستطيع أن أفهم كيف تبرر دولة حتى لو كانت من العالم الخامس حبس منتجة حصلت على موافقة رسمية بعرض فيلمها، ثم تفاجأ بحبسها لأنها سمعت كلام الرقابة، أليس الأولى بالحبس الموظف الذى وافق على عرض ما خدش الحياء؟!
ما يحدث من بلاغات ممنهجة وهجمة باسم الأخلاق والفضيلة والحفاظ على الدين والاتهام بازدرائه لكثير من أهل المحروسة، يبدو وكأنه حالة سعار أصابت البعض وتطرف لدى آخرين وبحث عن شهرة زائفة، أى أن لكل هدف مستتر ليس من بينه أبداً لا الأخلاق ولا الفضيلة ولا الدين ورب العزة.
الهزل فى الجد للأسف لن يدفع ثمنه فقط أصحابه ولكنهم يجرون أمة كاملة وأجيال جديدة لتدفع جميعها الثمن، وكلمة أخيرة فقد قال لنا الأجداد إن من يُكثر ويبالغ فى الحديث عن الفضيلة أو الصدق أو الأمانة أو أى صفة محمودة عادة ما تكون مفقودة لديه، ولكى تتأكدوا راجعوا أقوال وأفعال نجوم الحسبة فى كل صورها وقتها فقط ستعرفون الحقيقة.