«أصعب ما فى هذه المهنة أنك تنتقل بين مناطق مختلفة من العالم تاركاً أهلك وأصدقاءك وعالمك لتؤدى وتصور شخصيات مختلفة عنك تماماً، ثم تتجه إلى غرفة الفندق وحيداً لتنظر فى المرآة، وتسأل: لماذا أنا وحيد؟» بهذه الكلمات عبر ليوناردو ويلهلام دى كابريو الشهير بليوناردو دى كابريو عن جزء كبير من حياته وحياة ممثلين كُثر تحوطهم الشهرة والثراء وحب الملايين.
ولكن ليس أبداً بهذه العبارة تستطيع أن تكتفى حين تحكى عن ليو كما يُطلق عليه أصدقاؤه، فما بين فيلمه الأول عام 1990 مخلوقات (3) وفيلمه الأحدث «العائد» The Revenant مسيرة تستحق أن تُروى عن أشهر عازب فى هوليوود وربما فى العالم، فعن دوره فى فيلمه الأول قالوا، إنه مجرد طفل متوسط الأداء ذو شعر أشقر، أما اليوم فهو من بين أعلى الممثلين أجراً فى العالم حسب إحصائية لمجلة فوربس، وهو قد حصل على 6 ترشيحات لجائزة الأوسكار و3 للبافتا و11 ترشيحا للجولدن جلوب فاز بثلاثة منها وهو ما زال مرشحا للأوسكار هذا العام وجمهوره.
ليوناردو دى كابريو ليس مجرد ممثل أمريكى وسيم أو حتى مجتهد وموهوب، ولكنه حكاية، فأن تكون ليونادو دى كابريو ليس سهلاً ولا أمراً هيناً، فحتى قبل أن يولد ليوناردو وهو ما زال بعد «جنين» فى بطن أمه كان له قصة، فقد كانت أمه وهى من أصول ألمانية روسية، أثناء زيارة لها لأحد المعارض تقف أمام لوحة للرسام ليوناردو دافنشى فإذا بالجنين يركلها فى بطنها فقرر الأب الذى كان رساماً هو الآخر أن تلك علامة يجب أن يطيعها ويُطلق على ابنه القادم اسم ليوناردو، وهو ما حدث بالفعل فوُلد ليوناردو فى نوفمبر عام 1974 وكان طفلا يتميز بالجمال وقد لاحظ أبواه موهبته منذ صغره فشارك وهو بعد فتى فى الرابعة عشرة من عمره فى العمل بالإعلانات والأفلام التعليمية.
ثم جاءت بداية التسعينيات ليشارك فى عدد من المسلسلات التليفزيونية ويلفت الأنظار كممثل صغير، ومنها ينتقل إلى السينما فى عام 1991 بفيلم الخيال العلمى «The Critters 3» وحتى ذلك الحين لم يكن إلا ممثل صغيرا متوسط الأداء أشقر كمئات غيره كما قال عنه النقاد آنذاك، وفى عام 1992 اختاره روبرت دى نيرو من بين 400 ممثل شاب ليؤدى أمامه دورا فى فيلم «This Boy’s Life» أو حياة هذا الفتى، ثم يأتى عام 1993 ليؤدى فيه أمام جونى ديب دور فتى متأخر عقلياً فى فيلم «ًًWhat’s Eating Gilbert Grape» ويتم ترشيحه للأوسكار لأول مرة ورغم أنه لم يفز به فإن مجرد الترشح لهذه الجائزة يعد مكسباً ووضعا لاسم الممثل فى خانة أعلى، وتعددت أدوار ليو لكن نقطة تحول رئيسية ثانية جاءت حين قدم دور روميو فى فيلم روميو وجوليت عام 1996 وبعده بعام واحد قدم دوره الأشهر فى واحد من أكثر الأفلام إيرادات فى تاريخ السينما وهو تايتانك، وبهذين الفيلمين تحول ليوناردو إلى فارس أحلام نساء الأرض.
ولكن تأتى الألفية الثالثة فيقدم فيلمين يحصل بهما على جائزة التوتة الذهبية وهى تساوى الأوسكار، ولكن فى أسوأ الأدوار عن فيلم الرجل ذو القناع الحديدى وفيلم الشاطئ، إذاً لم تشفع له الوسامة فى الحفاظ على مستواه الفنى، وهنا يحدث التحول الدرامى فى حياته فيلتقى سكورسيزى المخرج المبدع المتفرد الذى يقدم سينما مختلفة وممثلا مختلفا فيقدمه فى فيلم عصابات نيويورك ليس كشاب وسيم، ولكن كممثل من العيار الثقيل وتتوالى الأفلام والأدوار التى لم يعد ليو فيها الفتى الأشقر متواضع المستوى بل الممثل الثقيل العيار فى اختيار الموضوع والمخرج والأداء، ويصبح الوجه المفضل لدى سكورسيزى واختياره الأول فى خمس أفلام ويقدم ليو مع رادلى سكوت وسام ميندز وستيفن سبلبيرج وتارنتينو وأخيراً مع اليخاندرو جونزاليس المخرج المكسيكى وجميعهم من أهم وأقيم وأشهر مخرجى هوليوود والعالم، يقدم أدواراً يتخطى بها حاجز الأداء السينمائى فى تنوعها وقيمتها وعمقها بعيداً عن الوسامة.
ليوناردو دى كابريو ليس فقط صائد الأدوار الصعبة حاصد الجوائز والملايين وصاحب الألف وجه فى أفلامه، ولكنه فى الحياة له أكثر من وجه فهو المدافع عن البيئة والمناخ الأرضى الذى لا يستعمل إلا السيارات الكهربائية ويعيش فى منازل صديقة للبيئة تتعامل بالطاقة الشمسية، ولديه مؤسسة باسمه للحفاظ على الحيوانات والنباتات.
أن تكون ليوناردو دى كابريو ليس بالأمر الهين، فمن مجرد فتى أشقر متوسط الأداء لممثل يبدع حتى بدون كلمات أو كلمات قليلة.