فى دمشق .. شباب سوريا يتوقون لحياة عادية وحديث عن أى شىء إلا الحرب

بجانب حاجز أمنى للجيش فى دمشق القديمة وعلى مسافة 1.5 كيلومتر من الخط الأمامى بين القوات الحكومية والأراضى الخاضعة لسيطرة المعارضة يجلس شبان سوريون على سور حديقة وهم يدخنون ويحتسون الجعة أو المشروبات الخفيفة ويتحدثون فى أى شىء إلا الحرب.

كانت ليلة من ليالى أيام العمل العادية غير أن أهل دمشق يحرصون على الخروج إلى مجموعة من الحانات الجديدة التى افتتحت فى الشهور القليلة الماضية البعض لمجرد التواصل مع الناس والبعض الآخر للعمل.

وتمثل عودة النشاط إلى هذا الحى الذى كانت الحركة لا تهدأ فيه جزءا من المساعى الرامية لإضفاء جو الحياة العادية على العاصمة السورية رغم استمرار المعارك المستعرة فى الحرب التى سقط فيها أكثر من ربع مليون قتيل وخرج خمسة ملايين لاجىء من البلاد.

وفى اتجاه الشرق والجنوب الغربى مازالت الغوطة الخاضعة لسيطرة المعارضة تحت الحصار والقصف من جانب القوات الحكومية.

وفى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبا واجه السكان فى الآونة الأخيرة الجوع حيث يتقاتل تنظيم القاعدة مع تنظيم الدولة الاسلامية من أجل الفوز بالسيطرة.

وفى أواخر العام الماضى كانت القذائف تنهال على وسط مدينة دمشق بما فى ذلك باب شرقى. أما الآن يدخن الناس النارجيلة (الشيشة) خارج حانة باب شرقى أو يشاهدون مباراة فى كرة القدم فى حانة مجاورة أكثر ضوضاء.

وقال نيكولاس رحال الذى يعمل مصمم طباعة وعمره 23 عاما بصوت مرتفع حتى يكون مسموعا وسط الموسيقى الهادرة النابعة من إحدى الحانات "من المؤكد أن هذا أمر لم تكن لتشهده منذ عامين وقد انتعش أكثر من ذلك فى الفترة الأخيرة." وقال رحال إن عدد من يخرجون للتنزه ازداد بعد أن فتحت الحانات أبوابها الواحدة تلو الأخرى ووظفت أعدادا إضافية من الناس.

وتابع "بوسعى الآن الاختيار بين الذهاب لتلك الحانة أو ذلك الملهى الليلى. فقد افتتحت الأماكن وجاء الناس إليها." ومازالت الحرب محسوسة داخل العاصمة. ويتولى جنود يحملون بنادق هجومية فحص السيارات بحثا عن القنابل فى الحواجز الأمنية للجيش الأمر الذى يتسبب فى زحام مرورى فى مختلف أنحاء المدينة فى حين يمكن سماع دوى نيران المدفعية البعيدة.

ويخاف الشبان فى مقتبل العمر بالمدينة على المستقبل. فقد فقدوا أحبة فى أحداث العنف والنزوح كما أن التضخم الجامح جعل الحياة مكلفة للغاية ويتلهف بعض الشبان كذلك على تفادى التجنيد فى الجيش.

وتريد هذه الشريحة من سكان دمشق الاستمتاع بالحياة قدر الإمكان يشجعها على ذلك تحسن الوضع الأمنى بعد تدخل روسيا الذى أدى إلى تعزيز وضع الحكومة كما أدت هدنة جزئية فى فبراير شباط إلى جلب قدر من الهدوء.

وقالت دانا دقاق (21 عاما) التى تعمل ليلا نادلة فى حانة وتدرس نهارا للحصول على درجة جامعية فى الفنون الجميلة وقد صبغت شعرها باللون الأشقر "الناس ملوا من الحرب ويريدون فقط أن يحيوا حياة عادية ولذلك يخرجون ويتواصلون." وأضافت "فى الشهور القليلة الماضية لم يعد الخروج فى العطلات الأسبوعية. بل كل يوم. والأماكن مزدحمة." وقالت دانا إن حياة الحانة أكثر من مجرد وسيلة لنسيان الحرب وإن كل الموجودين بالحانات لديهم ما يروونه من قصص شخصية عن تجاربهم المؤلمة.

وقالت دانا إبراهيم (21 عاما) التى كانت تجلس فى نفس الحانة التى جلس فيها رحال "أقارب لى من ناحية والدى يخدمون فى الجيش قتلوا تحت الحصار فى حمص. وتعيش أمى وشقيقاتى الأربع بالقرب من المطار العسكرى فى المزة." وقد تعرضت القاعدة الجوية فى غرب دمشق لنيران القذائف وهى تقع ملاصقة لضاحية داريا التى يحاصرها الجانب الحكومى.

وقالت دانا "فى وقت من الأوقات كان القصف كل يوم. وذات مرة سقط صاروخ بجوار البيت. كنت خارج المدينة ولم أسمع أى أخبار لمدة يومين. واعتقدت أن أسرتى أصيبت." وفكرت دانا فى الرحيل مثل كثير من صديقاتها اللائى هربن إلى أوروبا أو دول مجاورة لكنها تفضل البقاء الآن بعد أن أصبح فى إمكانها التواصل مع الآخرين. وقالت "لما بدأت أشوف حياتى بقيت هنا. لا أريد أن أصبح لاجئة." ويريد رحال أيضا البقاء رغم ما مر به من تجارب الصراع. ويقول "حدث أكثر من مرة قرب بيتى أن شهدت أشخاصا تفجرهم القذائف." كانت السلطات قد ألقت القبض على رحال لمشاركته فى احتجاجات عام 2011 قرب بداية الانتفاضة التى تحولت إلى حرب أهلية شاملة وكلفته آراءه السياسية صداقات.

وقال رحال إن المشاحنات على فيسبوك تحولت إلى شجار بدنى فى الشوارع. وأضاف "فى الأيام الأولى من الأزمة اضطررت لمصاحبة آخرين. وأعرف شقيقين لا يتبادلان الحديث." ومع ذلك فربما يدفعه عامل واحد للرحيل.

وقال رحال "لم أنجز الخدمة العسكرية. وقد يحدث أن يستدعونى وليس لديك فكرة أين سيرسلونك أو طول المدة التى ستقضيها هناك. لدى أصدقاء وأقارب فى الجيش فى حلب وتدمر على سبيل المثال." وأضاف "إذا استدعونى سأرحل عن البلاد. وربما أحاول العثور على عمل فى بيروت." وعلى الجانب الآخر من الخطوط الأمامية يجد السكان من الشبان خيارات أقل من ذلك.

قال ماهر أبو جعفر (23 عاما) طالب الهندسة الزراعية الذى يعيش فى الغوطة الغربية إن العنف المتصاعد والحصار الذى تفرضه القوات الحكومية جعلا من المستحيل عليه أن يرحل عن المدينة.

وقال عن طريق رسالة عبر الانترنت "أعمل فى الوقت الحالى فى كشك بالشارع لبيع أدوات منزلية. أسرتى كبيرة لا يمكننا ضمان الحصول على الإمدادات الأساسية. والأمور تتدهور بسبب كلفة المعيشة." وأدى التضخم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية بنسبة 90 فى المئة منذ عام 2011. وفى الحانة بالحى القديم وضع رحال أوراقا مالية قيمتها 550 ليرة سورية أى ما يزيد قليلا على دولار واحد على المائدة.

وقال "ربما تحسن الوضع قليلا من أجل العمل لكن الوضع الاقتصادى سىء. الأشياء غالية الثمن ومستويات المعيشة انخفضت." وأثناء الليل تهدر مولدات الكهرباء خارج البيوت بينما ينتشر الظلام فى الأحياء بعد أن ظلت الكهرباء موجودة ما يقرب من نصف يوم.

وقالت دانا دقاق النادلة إن علبة السجائر الرخيصة التى كان ثمنها 250 ليرة سورية قبل بضعة أشهر أصبح سعرها الآن 450 ليرة.

ومع ذلك فهى مشغولة الآن هى وأصدقاؤها وزبائنها لا بالحرب ولا بالاقتصاد أو التفكير فى الهجرة. بل هم يريدون الشرب والاستمتاع بالحياة.




















الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;