"حب وحنان إيه؟ الست لما بتبطل تحس بالأمان، بتبطل تحس إنها ست أصلاً" بعبقرية وصدق شديدين لخصت الفنانة "صفاء الطوخى" فى دور "سهام" والدة "ملك/ نيلى كريم" فى مسلسل سقوط حر حالة آلاف النساء اللاتى يخضن التجربة نفسها، ويعجزن عن إدارة حياتهن بعد فقدان الزوج حتى لو بدت الأمور على ما يرام لسنوات طويلة.
الصورة رقم 1
خسائر غير ملموسة تحدث على الصعيد النفسى للأم والأبناء بعد فقدان الأب رغم أنهم يبدون من الخارج فى صورة أسرة متماسكة صامدة أمام التجربة المريرة، وربما تحدث بالأساس لرغبتهم فى الظهور بهذه الصورة أمام المجتمع.
الصورة رقم 2
وبوضوح شديد كشف المسلسل من خلال أحداثه أن النساء فى هذا الموقف الذى يتكرر كثيرًا يحتجن لمعرفة الكثير عن إدارة الأزمة النفسية بعد فقدان الزوج، سواء بالوفاة أو الانفصال أو لأى سببٍ آخر، وهو ما يتحدث عنه الدكتور "محمد طه" استشارى ومدرس الطب النفسى بكلية الطب جامعة المنيا لـ"انفراد".
الفراغ النفسى والوحدة والتحدى.. مشاعر طبيعية بعد فقدان الزوج
إلى جانب الحزن والصدمة والألم الطبيعى المرتبط بالفقد يقول الدكتور محمد طه "إن المرأة بعدما تفقد زوجها سواء بالوفاة أو بالطلاق أو بسفره أو غيابه لفترات طويلة من الطبيعى أن تشعر بفراغ نفسى ومعنوى كبير، خاصةً إذا لم تكن تعمل وقتها تكون هذه الأحاسيس مضاعفة جدًا".
تشعر المرأة وقتها أيضًا بالوحدة وبأنها تقف وحيدة فى مواجهة المجتمع ونظرته السيئة للمرأة الوحيدة أو المطلقة وبالطبع ستشعر بالكثير من التحدى، وضرورة مواجهة صعوبات الحياة والمستقبل لها ولأولادها.
ماذا يتغير فى مشاعرك نحو أولادك بعد فقدان الزوج؟
يحدث كثيرًا أن تشعر المرأة بتغيرات فى مشاعرها تجاه أولادها بعد فقدان الزوج، وهو ما يجعلها أحيانًا تشعر بالذنب وأحيانًا تشعر بالخوف، قال الدكتور محمد طه: "فى هذه الحالة يحدث كثيرًا أن تتغير مشاعر الأم نحو أبنائها، فإما تقسو عليهم أكثر لأنها ترى أن هذا يعلمهم المسؤولية ويحميهم وهو غير صحيح بالطبع".
الصورة رقم 3
أو تبدأ تجعلهم مصدر الأمان البديل الذى فقدته مع فقدان زوجها، وتصر على أن يكونوا إلى جوارها طوال الوقت مما قد يعطلهم فى دراستهم وأحيانًا يعطل زواجهم بل وحياتهم كلها.
الاحتمال الثالث أن تظل محتفظة بتوازنها النفسى والشعورى ولا تحمل عليهم أكثر ولا على نفسها.
احتياجات الأبناء بعد فقدان الأب
من جهة أخرى، يمر الأولاد بعد فقدان الأب بفترة مشحونة بالحزن والألم والاحتياج النفسى لمن يقوم بدوره، لكن ما يجب أن تدركه الأم هو أن هذا لا يعنى، كما هو شائع، أن تتحول لأب وأم فى الوقت نفسه، كما أشار الدكتور محمد طه.
الصورة رقم 4
وأضاف "الأم يمكن أن تقوم بدور الأب وتظل أمًا، بمعنى أن تحميهم وتكون مسؤولة عنهم وتزرع فيهم الإحساس بالمسؤولية والشجاعة والحماس والمثابرة، وفى الوقت نفسه توفر لهم الدفء والحب والحنان والعطاء وتظل محتفظة مع كل هذا بوجودها وكيانها الأنثوى الرقيق".
ضغوط المجتمع وتأثيرها على نفسية الأم الوحيدة
إلى جانب الضغوط النفسية الداخلية والمخاوف الخاصة بها، وإلى جانب الشعور بالحيرة والقلق بسبب تغير مشاعرها تجاه أولادها، تواجه الأم ضغطًا من جهة أخرى وهو نظرة المجتمع لها وما ينتظره منها وما يفرضه عليها، وقال الدكتور محمد طه "إن مجتمعنا للأسف ينظر للسيدة المطلقة أو الوحيدة نظرة سيئة وهو ما يمثل فى حد ذاته ضغطًا هائلاً عليها".
المجتمع يراها دائمًا ضعيفة وقليلة الحيلة أو مشكوك فيها وعرضة للانحراف، أو على الأقل لا تخلو نظرته لها من الشفقة دون أى احترام لآدميتها وإنسانيتها وحقوقها.
ويرى استشارى ومدرس الطب النفسى أن هذه الضغوط يمكن أن تدفع المرأة لاتخاذ قرارات صعبة ومصيرية جدًا، كأن تقرر التخلى عن أنوثتها بمعنى ألا تصبح المرأة التى يراها المجتمع، تتحدى طوال الوقت نظرتهم لها باعتبارها ضعيفة وقليلة الحيلة فتقرر أن تصبح جامدة وقاسية وصعبة التعامل وهو ما ينعكس بالطبع على علاقتها بأولادها.
يمكن أيضًا أن تقرر حماية نفسها وأولادها من نظرات المجتمع واتهاماته بأن تنعزل بهم وتجعلهم يعيشون فى صندوق مغلق منفصل عن العالم وفى الحالتين هى والأولاد الخاسرين.
أخطاء شائعة ترتكبها النساء بعد فقدان الزوج
كل هذه الضغوط وردود الفعل عليها تسبب الكثير من الأخطاء الشائعة التى ترتكبها النساء بعد فقدان الزوج، والتى يشير إليها الدكتور محمد طه محذرًا "أكبر خطأ ترتكبه المرأة بعد فقدان زوجها هو أن تدفن أنوثتها وتعيش كرجل وتتحول لامرأة قاسية على نفسها وأولادها وتحرمهم من مشاعرها وحبها وعطفها".
الخطأ الثانى هو أن "تبلع أولادها" بمعنى أن تبعدهم وتعزلهم عن العالم وتوصل لهم أنها المصدر الوحيد للحب والحنان والعطاء.
أما الخطأ الثالث فهو أن تقرر عدم تكرار الزواج مرة أخرى بدعوى رعاية الأولاد أو الحفاظ عليهم، رغم إمكانية الزواج مع توافر ذلك فعلاً إلا أنها تظل مصرة على ما تراه وما تسميه ويسميه المجتمع "تضحية" وهو فى الحقيقة "دور الضحية"، فالله لم يكن يحلل الزواج بعد الطلاق أو وفاة الزوج لو كان فى ذلك أى ظلم للأولاد، وهذا لا ينفى بالطبع الاحترام الكامل للنساء اللاتي اخترن ذلك بوعى ومسؤولية ودون لعب دور الضحية.