على مدى أكثر من شهر، كتبت فى هذا المكان 25 فكرة، قدمتها للدكتورة الفاضلة «إيناس عبدالدايم»، وفى الحقيقة فإنى قد تناولت بعض هذه الأفكار فى أوقات متناثرة على أزمان متباعدة، لكنى أردت بهذا السرد المتتابع أن أجمع شتات هذه الأفكار فى سياق واحد، وتقديمها إلى «عبدالدايم» إيمانا منى بمبدأ المشاركة فى الحلم والمشاركة فى الهم والمشاركة فى العمل، كما أننى أردت أن أؤكد على أن أول مهمات الإعلام الحر هى التفكير بحرية فيما ينفع الوطن، ويؤكد ثوابته، وينتزع آفاته، فلا يوجد فى العالم وطن فاسد وآخر صالح، فقد يوجد مواطنون صالحون وآخرون فاسدون، ونسأل الله أن نكون من الصنف الأول، وأن يبعدنا عن الصنف الآخر.
على مدى أكثر من شهر، كنت أتلقى بشكل يومى من ردود الأفعال ما يؤكد أن الرهان على تقديم الأفكار بشكل إيجابى ربما يكون أكثر جدوى من الرهان على تبنى استراتيجية النقد العشوائى، وكم سعدت بمحادثتى مع الدكتورة إيناس عبدالدايم، التى أكدت فيها أن تتابع هذه المقالات بشكل يومى، وأنها أعدت «ملف لتجميع هذه الأفكار للاستفادة منها، كما سعدت بمحادثتى مع الدكتور حاتم ربيع، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، التى أكد فيها أنه شرع فى تنفيذ أحد الأفكار، وأنه كلف لجنة الشعر بالعمل على اختيار ألف بيت شعر هى النواة الأولى، فكرة «الشعر فى الشارع»، التى اقترحت فيها أن نستغل الأسوار والجدران فى الشوارع والميادين ونزينها بالشعر، بدلا من احتلالها على يد «إمبراطور الفيزياء ووحش الأحياء وضفدع الكيمياء».
أثناء إعداد هذه الأفكار ونشرها، كان فى ذهنى أمران، الأول أن أطرح ما يمكن أن يغير شكل العمل الثقافى فى مصر، والثانى أن ألتزم بأن تكون هذه المشروعات بلا تكلفة عالية، إدراكا منى صعوبة الوضع الاقتصادى الذى نمر به، لكنى فى ذات الوقت لا يمكننى أن أتسامح مع هذا الهزال الذى تعانى منه ميزانية وزارة الثقافة، وغاية ما أتمنى بعد هذه الأفكار أن تتغير عقيدة وزارة الثقافة من العمل الروتينى إلى العمل الحيوى، وأن يدرك القائمون على الثقافة فى مصر أن الصيغة الحالية للعمل التى تعتمد على النظريات والندوات والمؤتمرات أصبحت صيغا بالية لا تتناسب مع أمة تريد أن تزرع الوعى والفهم والسماحة فى كل عقل، كما تريد أن تنزع التطرف والحقد والغباء من كل قلب.