ربما تحتل الدهشة مكانًا كبيرًا حينما تسمع أن مكتبة الإسكندرية أقامت مؤتمرا بعنوان «الفن الإسلامى فى مواجهة التطرف»، وربما ترى أن هناك بعض التعسف فى اختيار عنوان الندوة، متسائلا: ما علاقة الفن الإسلامى بتلك المعركة؟ وربما أيضًا تسىء الظن متخيلا أن القائمين على المكتبة أرادوا اختيار هذا العنوان تماشيًا مع «الموجة» أو استجلابا لاهتمام الرأى العام، لكننى فى الحقيقة رأيت عكس هذا كله، فعلى مدار ثلاثة أيام من 21 وحتى 23 من مارس الحالى اشتعلت المناقشات وتباينت المناقشات والأطروحات، وتأكد الجميع من أن اختيار هذا المحور للحديث والنقاش فى غاية التوفيق، وهو أيضًا ما أكدته كلمة كل من الدكتور مصطفى الفقى، رئيس المكتبة، والدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية، وكان هذا المؤتمر فرصة ليتلاقى المهتمون بحيوية الحياة وسريانها، كما كان فرصة أيضًا لتلاقى أصحاب المشروعات الكبيرة فى التنمية الثقافية، مثل الشيخة مى بنت محمد آل خليفة، رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار، التى قالت: إن دولة البحرين تعد مثالًا ناجحًا على قدرة الثقافة على مواجهة التطرف، فهناك منطقة فى المنامة تضم خمسة أديان وتحتضن مبانيها الأثرية والتاريخية، أما حمدان الكعبى ممثل هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام فقد قال: إن نهضة مصر الثقافية أثرت فى عدد كبير من الدول العربية، معتبرًا مصر متحفًا وطنيًا كبيرًا، ويجب استغلال فنها وجمالياتها لتثقيف الشباب العربى عن الفن والأدب والآثار.
هنا أتوجه بالشكر لكل من أسهم فى عمل هذا المؤتمر وكل من شارك فى تنظيمه وأخص بالشكر صاحب فكرة وضع الفن الإسلامى فى مواجهة التطرف، فأنا أدرك تمامًا بحكم دراستى للآثار الإسلامية أن الفن الإسلامى كان فنا عابرا للتعصب أو قل عابرا عليه، والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعامل بالعملات البيزنطية، التى كانت تبرز رسم الصليب على وجهها، كما أن الفاروق عمر بن الخطاب كان يتعامل بتلك العملات أيضًا بعد إضافة كلمة أو كلمتين، وفى الفنون التطبيقية الأخرى يشهد فن الخزف الأيوبى على مقدار السماحة التى كان المسلمون يتمتعون بها، حيث كان الصناع يصممون الكثير من التصميمات المسيحية على الخزف وأشهرها مشهد الصلب والقيامة، بل وامتد هذا التسامح وشملت هذه الرحمة جميع الكائنات الحية وليس الإنسان فحسب، فرأينا فى الأسبلة العامة الكثير من الأحواض المخصصة لشرب الدواب، ناهيك عن استعارة الكثير من التيمات المسيحية فى التصوير الإسلامى، وكان طبيعيًا أن نرى فى الكثير من المخطوطات صورًا للصحابة والتابعين وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة والرسول الكريم، دون أن يعترض أحد أو يشعل آخر النار فيمن يتهمهم بالكفر.