أحد الكبار من قيادات جماعة الإخوان، والتى تركها قال نصا: «إن جماعة الإخوان تحسن كل شىء، إلا أمرين: الدين والسياسة!».
والشيخ محمد الغزالى، الذى وصفه حسن البنا بأنه «أديب الدعوة» وبعد أن ترك الجماعة، ألف كتابًا بعنوان «من معالم الحق فى كفاحنا الإسلامى الحديث»، فند فيه فكر الجماعة الإرهابية، وعراها، وقال فى فقرة كاملة فى توصيف الإخوان: «إن قيادة الإخوان الآن حريصة على الأوضاع الغامضة، والقرارات المريبة الجائرة، وهى مسؤولة أمام الله ثم أمام الناس عن مشاعر الحيرة والبلبلة التى تغمر قلوب الإخوان فى كلّ مكان ثمّ هى، أى الجماعة، مسؤولة من قبل ومن بعد عن الخسائر التى أصابت الحركة الإسلامية فى هذا العصر، وعن التهم الشنيعة التى توجه للإسلام من خصومه المتربصين، فقد صورته على أنه نزوات فرد متحكم، كما صورت هيئة الإخوان المسلمين وكأنها حزبا من الأحزاب المنحلّة تسودها الدّسائس وتسيّرها الأهواء».
هذه الفقرة التى تضمنها كتاب «من معالم الحق فى كفاحنا الإسلامى الحديث» الصادر فى أوائل ستينيات القرن الماضى، تشرح حالة الجماعة الآن فى 2018، وبعد مرور قرابة 60 عامًا كاملة، وتفند ما ذهب إليه الأستاذ عماد الدين أديب، الذى فاجأ الجميع خلال الساعات القليلة الماضية، بطرح مبادرة المصالحة مع الجماعة الإرهابية، تحت مسمى «المصالحة مع المتعاطفين مع الإخوان».
الأستاذ عماد الدين أديب، طالب الدولة والمواطنين فى مصر التحاور مع المتعاطفين مع الجماعة الإرهابية، وقال نصًا: «من المجحف تجاهلهم وتركهم بمعتقداتهم الخاطئة».
ولم يكتف الأستاذ عماد، بالمطالبة بالمصالحة فقط، بل هاجم الإعلام، قائلًا: «إن ما يحدث من وسائل الإعلام هو سباب فى تلك الجماعة يقابله سباب آخر من الإعلام المعادى للدولة دون معرفة الحقائق وتفنيدها»، مضيفًا: «أنا عاوز أكون المغفل الوحيد اللى يفهّم المتعاطفين مع الجماعة حقائق الأمور بكل هدوء عشان ده حقهم أنهم يعرفوا».
وهو ما دفع الكاتب والسيناريست الكبير، الأستاذ وحيد حامد، إلى المداخلة، رافضًا طرح الأستاذ عماد، وواصفًا المتعاطفين بأنهم أشد خطرًا على الأمة من أعضاء وقيادات الجماعة الإرهابية.
وأنا أتفق تمامًا مع ما طرحه الأستاذ وحيد حامد، فى وصفه للمتعاطفين، وأزيد من الشعر بيتا، وأؤكد أن المتعاطفين مع الجماعة، أخطر وأغبى من أعضائها وقياداتها، ويمكن أتفهم موقف أعضاء الجماعة، كون تعرضهم لعملية غسل العقول بمادة الكذب الكاوية فشوهت أفكارهم ورؤيتهم، وأصبحوا يعتنقون أفكارًا ومفاهيم، مشوهة وعفنة، لكن لا يمكن أن أتفهم أو أقبل أن ألتمس العذر للمتعاطفين، فهؤلاء «إمعة» تحركهم نوازع الكراهية وتستوطن جيناتهم الداخلية، الخيانة فى أبشع صورها، وقرروا وبإرادتهم الحرة، وبقناعة مطلقة، مناصرة الباطل، والوقوف فى وجه الحق، ودعم جماعة، على حساب الوطن!!
مخاطر ما طرحه الأستاذ عماد الدين أديب، ليس فى المضمون، أو المبادرة فحسب، ولكن كون أن هناك قطاعًا عريضًا، من المصريين يعتقدون، ظنًا، أن ما يأتى به الرجل، رسائل من النظام، أو على أقل تقدير، مبادرات من قريحة الغير سواء فى الداخل أو الخارج.
ولكن، تأكيدى للجميع، ووفقًا لمعلوماتى المؤكدة، أن مبادرة الأستاذ عماد الدين أديب، من وليدة أفكاره، ولا يعرف عنها النظام شيئًا، وإيمان الدولة أن كل من أجرم فى حق هذا الوطن، عليه أن يتلقى العقاب المناسب وفقًا للقانون، مع وجوب احترام الإجماع الشعبى الرافض للمصالحة مع الجماعة الإرهابية، والمتعاطفين معها، الذين قتلوا أشرف من فى مصر من جنود وضباط الجيش والشرطة، وارتموا فى أحضان كل أعداء الوطن، واستدعوا الخارج للتدخل فى شأننا الداخلى، ويعتبرون أن مصر عبارة عن «حفنة من تراب عفن».
ولا يمكن لى أو لغيرى، أن يشكك فى أن نية الأستاذ عماد الدين أديب التى دفعته لطرح مبادرة التصالح مع المتعاطفين مع الجماعة الإرهابية، حسنة، ونقية، اعتقادا منه بضرورة إيجاد حلول لإعادة اللحمة الوطنية، ولكن وللأسف الطريق لجهنم مفروش بالنوايا الحسنة، وأن جماعة الإخوان، والمتعاطفين معهم، غير جديرين بالثقة، تأسيسًا على ما قاله كبيرهم الذى هجرهم: «أن جماعة الإخوان تحسن كل شىء، إلا أمرين: الدين والسياسة!».
فكيف إذن يا أستاذ عماد، أن يقبل المصريون التصالح مع جماعة، لا تحسن، لا الدين، ولا السياسة، ومن أين يأتى المصريون بالأمان لهم، وهم الخونة، وترفع شعار، الإخوانى الباكستانى أفضل من المصرى المسلم أو القبطى، من غير أعضاء الجماعة؟!
وماذا عن دماء الشهداء، وأنا أستشعر أن كل شهيد، من رفقاء المنسى ورامى حسانين، يبعث برسالة للأستاذ عماد الدين أديب، وللمصريين جميعًا، تحمل عنوانًا «لا تصالح»، ويقتبس بعضًا من أبيات قصيدة العبقرى، بلدياتى ابن قنا البار «أمل دنقل» «لا تصالح» ومنها: هل يصير دمى -بين عينيك- ماءً؟ أتنسى ردائى الملطَّخَ..تلبس -فوق دمائى- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
وأيضا: لا تصالح على الدم.. حتى بدم! لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
ثم البيت الموجع فى الأيقونة الشعرية: «لا تصالح.. ولو حرمتك الرقاد صرخاتُ الندامة.. وتذكَّر.. «إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة» أن بنتَ أخيك «اليمامة» زهرةٌ تتسربل- فى سنوات الصبا- بثياب الحداد!!