في عام 2005 رفضت وزيرة الشئون الاجتماعية والتأمينات صرف الـ 80٪ من آخر خمس علاوات، بعد أن صدر من المحكمة الدستورية العليا، وأيامها طالبت كل صاحب معاش أن يرفع دعوى قضائية منفصلة، مطالبا بحقه فى آخر خمس علاوات اجتماعية وهو ماكان سيترتب عليه رفع 10 ملايين دعوى قضائية أمام المحاكم الإدارية، وحلا لتلك المعضلة رفع الدعوى رئيس اتحاد أصحاب المعاشات بالإنابة عن هؤلاء المهمشين، ومؤخرا صدر الحكم بأحقية أصحاب المعاشات فى صرف الـ80٪ من العلاوات الخمس.
وفيما يبدو فإن الحكومة ستظل تماطل علما بأن المماطلة الاولي جعلت المبلغ يتراكم ليصبح الآن فوق طاقة احتمال خزينة الدولة، ثم تطور الأمر باستشكال الحكومة على حكم الإدارية العليا أمام محكمة عابدين للأمور المستعجلة لتعطيل تنفيذ الحكم، وهكذا تلجأ الحكومة للحيل القانونية التى يلجأ لها بعض المحامين عندما تكون حجتهم ومنطقهم القانونى ضعيفا، وفِي نفس الوقت اقترب الفصل التشريعى الثالث لمجلس النواب على الانتهاء دون حصول أصحاب المعاشات على حقوقهم بنص المادتين 17 و27 من الدستور، ومنحهم زيادة 20٪ بحد أدنى 200 جنيه وهى أقل من نسبة التضخم التى وصلت إلى نحو 33٪.
كانت هناك طموحات بأن يكون المعاش مساويا لآخر مرتب يحصل عليه الموظف ليستكمل حياته في كرامة لا يسأل الناس إلحافا، وفى نفس الوقت تنشط جماعة تعديل قوانين الإيجار القديمة وربما معهم بعض الحق، ولكن المتضرر الأكبر هم أصحاب المعاشات الذين رتبوا حياتهم على الإيجار القديم، ويخافون أن يفاجأوا بتعديل القانون، لأن مصيرهم الحتمى هو الطرد والتشرد، وهم فى نهاية رحلة الحياة، وفي كل الأحوال فإن قضايا أصحاب المعاشات اجتماعية ولا دخل لهم بالسياسة لأن تلك الفئة هي الأحرص على الاستقرار وعدم جر البلاد لسياسات تؤذى الاقتصاد حتى لو ماتوا من الجوع، وقد كانت مشاركتهم فى الانتخابات دليلا على وطنيتهم ووعيهم، لدرجة أن راحت أبواق الجماعة الإرهابية تسبهم وتصفهم بالخنوع.
وبينما تستأسد الحكومة على أصحاب المعاشات، تقف عاجزة أمام أصحاب الأعمال الخاصة وشركات قطاع الأعمال والأندية الرياضية فى تحصيل عشرات المليارات من الجنيهات المستحقة للتأمينات الاجتماعية، وضرب هؤلاء عرض الحائط بالتعديلات القانونية التى تفرض غرامة 1.5٪ عن مدة التأخير بالسنة الأولى، ومضاعفاتها للسنة الثانية، وكل المطلوب لتحصيل تلك المليارات هو تطوير وتنشيط جهاز التفتيش، وزيادة عدد المفتشين، بل أن الحكومة لو كانت قد استثمرت فى السابق مليارات التأمينات بصورة علمية مثل كل دول العالم لما احتاجت لتبرير فشلها فى العلاوة كل عام، وفى نفس الوقت هناك مديونية للمعاشات لدى وزارة المالية تقدر بنحو 175 مليار جنيه تستحق فوائد سنويا بنحو 25 مليار جنيه، ولكنها للأسف لا تحتسب عنها فوائد وفى نفس الوقت لدي أصحاب المعاشات نحو 700 مليار جنيه آخرين فى رقبة الدولة، نتيجة سياسات خاطئة ظلت تستهين بحقوقهم سنين طويلة منذ صدور قانون التأمينات عام 1975 الذى تزامن مع قانون الاستثمار عام 1974 وأيامها تم تقديم حقوق الإنسان كحوافز لأصحاب الأعمال، والمثير والمبكى أن القانون عاقب صاحب العمل المتهرب من دفع التأمينات بغرامة جنيه واحد وحد أقصى 20 جنيها.
وسوف تظل كل شعارات العدالة الاجتماعية معطلة ما لم يتم تنزيلها على الأرض وتنصف أصحاب المعاشات الذين يعولون نحو 40٪ من المصريين والذين انتصر لهم الدستور فى الالتزام بحد أدنى للمعاش، خاصة وأن هؤلاء هم الذين خاضوا كل معارك هذا البلد منذ عدوان 56 وحرب 67 وحرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، وهم الذين دفعوا فاتورة المواطنة كاملة وتحملوا كل خطايا الحكومات بصبر واحتساب لله والوطن لكى تخرج مصر من كبوتها، وعندما حان وقت راحتهم بدا أن الحكومات تتمنى التخلص من هذا العبء ولو تستطيع لسلمتهم شهادات الوفاة يوم بلوغهم الستين.