رن جرس هاتفى .. رقم غريب لا أعرفه .. فتحت الاتصال وسألت: من المتصل؟ فأجاب : أنا فلان من محافظة الوادى الجديد .. قلت : أهلا وسهلا هل لى أن أساعدك فى شىء؟.
قال المتصل متلهفا : أنا أستغيث بك من الظلم والقهر فأرجوك ساعدنى.
فسألته : ما طبيعة مشكلتك؟
فأجاب: أعمل فى وظيفة مرموقة أو على الأقل مقدرة اجتماعيا وحدث خلاف بين زوجتى وزميلتها المتزوجة من فرد شرطة فى العمل، فداهمت قوة مسكنى وتجاوزت فى حقى واتهمتنى زورا بحيازة أقراص مخدرة، لكن النيابة أخلت سبيلى بكفالة. وخلال حديثه بدا الرجل منهارا منكسرا حزينا كأنها أول مرة يدخل قسم شرطة، كما بدا خائفا من السجن مستقبلا.
سألته : ماذا تريد منى فعله لمساعدتك؟
فأجاب : أريد أن تساعدنى فى تصعيد القضية إعلاميا، أنا أريد استرداد كرامتى وهذا لن يتأتى إلا بمعاقبة رجل الشرطة الذى ورطنى فى جريمة زورا وبهتانا وأهاننى وأفراد أسرتى وأنا الذى عشت عمرى كله دون تجاوز ضد القانون .
صمتت برهة من الوقت وتذكرت أن كل المجرمين يدعوّن النزاهة والشرف وأن لا أحد يعترف بأنه منحرف وقلت ربما يكذب لأن رجل الشرطة لا يعرف المجاملة ويقاتل من أجل إرساء مبادئ الحق والعدل وحماية الضعفاء.
وفى الأثناء قال المتصل:
توجهت لمفتش المباحث بمديرية أمن الوادى الجديد.. فقاطعته: قلت ذهبت لمن ؟ قال : ذهبت لمكتب مفتش المباحث، فقلت له بمنتهى الأريحية: إذن ستأخذ حقك إن كان لك حق، وسيعاقب رجل الشرطة إن أخطأ.
لكن الرجل بدا متشككا فى كلامى وردد ما سمعه من أن الداخلية لا تعاقب أبناءها، وأنه لن يحصل على رد اعتباره أبدا، فأكدت له واثقا بأنه سيأخذ حقه طالما وصلت شكوته لقطاع التفتيش فى مديرية أمن الوادى الجديد التى يقودها اللواء عبد الرحمن شحاتة.
طلبت تفاصيل ما حدث فى قطاع التفتيش بالوادى الجديد فأخبرنى بالكثير وأهم ما فيه هو ما قاله الضابط للرجل وزوجته: عليكما أن تثقا بأن حقكما عائد إليكما لا محالة، متى ثبت تجاوز الضابط أو أى من أفراد القوة التى داهمت مسكنكما .
حدثته حديث الواثق وقلت أؤكد لك صدق ما سمعته من ضابط التفتيش وأوضحت له بأن وزارة الداخلية تطهر نفسها بنفسها، ورجل الشرطة أيا كانت رتبته ليس فوق القانون، بل أن قطاع التفتيش خلق لمحاسبة المنحرفين عن المهمة النبيلة وهى تحقيق الأمن فى إطار احترام حقوق الإنسان والحرص على إرساء قيم الحق والعدل ونصرة المظلوم وكسر شوكة المتجبرين والمارقين وأعداء الإنسان.
قال الرجل : ضابط فى التفتيش أخبرنى بأنه سيتحرى، ثم تساءل: كيف يطلب مفتش الداخلية تحريات من رجل الشرطة الذى أهانه ولفق له تهمة ؟ فأجبته بأن التحريات ستكون مهمة جهاز غير المباحث العامة، وعليه أن يطمئن تماما، بل أقسمت له بأنه سيحصل على حقه أن كان برئيا وسيعاقب ارجل الشرطة متى تبين أنه متهم .
استمر النقاش طويلا وعبر عدة مكالمات فى نفس اليوم انتهت بالرجل إلى حالة من اليقين نقلتها له من واقع خبرة طويلة فى التعامل مع تجاوزات بعض أفراد الشرطة، تعلمت خلالها أن أكثر الشكاوى ضد رجال الشرطة كيدية، وقليل منها صادقة، وفى الأخيرة يسترد صاحب الحق حقه ويعاقب المتهم وفقا للوائح والقانون .
انتهى الموقف بكل ما فيه من جدل وشعرت براحة نفسية، ذلك أن جهاز عظيم مثل الشرطة - عرفنا قيمته يوم عانى الضعف - لا يجب أن يكون مجالا للتشهير لمجرد أن احد أفراده أخطأ، فالخطأ موجود فى كل المهن ومقبول طالما وجد العقاب، وعقاب الداخلية لأبنائها المخطئين عظيم.. أنا أعرف ذلك جيدا ويجب أن يعرفه كل المصريين.
ليعلم الجميع أن زمن استغلال المناصب ولى وفات وأن اتجاها قويا فى وزارة الداخلية لمحاسبة المخطئ وتطبيق القانون على المسئولين عن تطبيق القانون قبل غيرهم وأن زمن "حاتم" انتهى فى ظل وزارة يقودها خبير أمنى اسمه اللواء مجدى عبد الغفار وقطاع تفتيش بإشراف اللواء شعبان عبد التواب .