حتى فى المآسى والكوارث يمكن للواحد منا أن يتأمل كيف يدير الناس شؤونهم وكيف يتدبرون أمورهم، خاصة لو كانوا يعيشون فى عوالم مختلفة، فمنذ أيام قليلة استقال 3 حكماء من إدارة جائزة نوبل للآداب بعد تسريبات حركة «أنا أيضًا» المناهضة للتحرش الجنسى، التى كشفت عن وجود علاقات وطيدة بين الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة وشخصية من عالم الثقافة متهمة بارتكاب جرائم جنسية، الأمر الذى دفع الأكاديمية لفتح تحقيق داخلى، ليس هذا فقط، فالأمس القريب أعلنت الأمينة الدائمة فى جائزة نوبل للآداب، سارة دانيوس، استقالتها، أيضًا.
بالطبع لم تتخيل المرأة القوية سارة دانيوس، حتى فى أسوأ كوابيسها، هذه النهاية، لكن كى نفهم ما حدث علينا العودة لبداية القصة عندما ذكرت صحيفة «داغنز نيهيتر» شهادات 18 امرأة يؤكدن أنهن تعرضن للعنف وللتحرش من جانب رجل من أصل فرنسى متزوج من الشاعرة والكاتبة المسرحية كاتارينا فروستنسن، العضو فى الأكاديمية السويدية، ورغم أن الأكاديمية السويدية أنهت علاقاتها مع زوج الشاعرة وقطعت مساعداتها لدار المعارض والعروض الفنية، التى يديرها فى ستوكهولم وتشكل مقصدًا للنخب الثقافية السويدية، إلا أن الأمر لم يمر مرور الكرام كما شاهدنا.
فهاهى المؤسسة الأشهر فى العالم تدفع ثمنا كبيرا لما كشفته حركة «أنا أيضا» عن كون هذه العلاقات بما فيها من جرائم اغتصاب واعتداءات جنسية وقعت على «نساء من أعضاء الأكاديمية أو زوجات لأعضاء فيها أو بناتهم أو من نساء أخريات».
أنا فى البداية فكرت لماذا يدفع أعضاء الأكاديمية هذا الثمن مع أن المخطئ شخص من خارج الأكاديمية وكل علاقته بها أنه كان متزوجًا بسيدة عضو فى اللجنة، لكن اكتشفت أن تفكيرى «عاطفى» جدا وغير منطقى، فطبيعى جدا فى بلد تعرف فيه المؤسسات دورها وقدرها أن تتحمل نتيجة أخطائها كاملة، ولو حاولت أن تتهرب من ذلك فإن الشعب هناك لن يتركها.
ما حدث فى الأكاديمية السويدية الشهيرة، يكشف جانبين مهمين، الأول هو مدى التدنى الذى وصل إليه البعض فى التجاوزات فى حق الآخرين، تحت أى مسمى، وهنا يمثله ذلك الشخص الذى كان فى وقت ما على علاقة بالأكاديمية وللأسف لم تتم محاكمته لنقص الأدلة، والجانب الآخر هو مدى المسؤولية، التى شعر بها بعض الأعضاء فقدموا استقالتهم مؤكدين أن التواطؤ والصداقة يؤذيان تاريخ المؤسسة إلى أبعد الحدود.
بالطبع كنت لا أتمنى أن يحدث ذلك فى الأكاديمية، التى ارتبط اسمها بـ نوبل والتى أبرزت عددا كبيرا من عباقرة الكتابة والمبدعين، لكن هذا هو حال الدنيا الذى يمنحنا فرصة للتأمل.