لن أهدر الوقت فى البحث فى صدقية ما تحدث عنه الكاتب البريطانى المعروف روبرت فيسك، فى مقال له نشر مؤخراً بصحيفة "الإندبندنت" حول تحسن العلاقات بين النظامين القطرى والسورى، ونسب الكاتب إلى مصادر سورية قولها إن الرئيس الأسد تحدث فى اجتماع له مؤخراً عن استئناف العلاقات بين دمشق والدوحة على مستويات محدودة!.
الواضح أن هذه المعلومة لم ترسل جزافاً للكاتب البريطانى بل ربما هى جس نبض أو إشارة على توجه قادم لنظام الحمدين، والحقيقة أن هذا النظام قد حيّر جميع المحللين بتوجهاته المرتبكة والمتداخلة فى أحيان كثيرة، فقد جاء هذا التسريب قبل وقت وجيز من تصريحات وزير الخارجية القطرى الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانى، الذى قال فيه إن إرسال أى قوات عربية إلى سوريا سيعمل على "تعقيد الأمور بشكل أكبر" هناك، وأن "أى إضافة لتواجد عسكرى آخر فى سوريا سيعقد الوضع"، وهذا يعنى أن قطر لن تشارك بقوات على الأرض تلبية لرغبة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وهذا يعنى أن قطر تواصل دورها المشبوه، ولن يصدق أحد أن قطر تتحدى الولايات المتحدة الضامن الأكبر لأمن نظام الحمدين!، كما لن يصدق عاقل أن قطر تضع علاقاتها مع إيران قبل تحالفها مع الولايات المتحدة!.
لم تعد التحليلات تستطيع مواكبة سرعة تغيرات المواقف القطرية وتبدلها، ناهيك عن فهمها والتعرف إلى أبعادها وأهدافها، فسياسة نظام الحمدين القائمة على الإمساك بكل الخيوط واللعب على التناقضات لم يعد لها مكان، ولم يعد من السهل البقاء فى مربع المزايدات والمناورات، بعد أن تحول الصراع فى سوريا إلى صراع مفتوح لا مجال فيه للاختباء والاختفاء وبات الجميع فى مواجهة الحقائق!.
هل تبدلت رؤية نظام الحمدين واتجه إلى التحالف مع نظام الأسد والمغامرة بتحالفه مع الولايات المتحدة؟! شخصياً لا أعتقد أن قطر يمكن أن تغامر بعلاقتها مع الولايات المتحدة بعد أن بات عليها الاختيار بين إيران والولايات المتحدة فى ظل توجه واشطن وطهران إلى صدام وشيك على خلفية أزمة الاتفاق النووى الإيراني.
الواضح أن قطر لا تستوعب الحقيقة القائلة بأن اللعبة انتهت، وأنه آن الأوان لحسم المواقف ووقف العبث بأمن دول وشعوبها، ويرى البعض أن تحالف النظامين المعزولين عربياً ـ نظام الحمدين والأسد ـ يمكن أن يكون طوق النجاة لكليهما، ولكن الحقيقة أنه تحالف الغريقين، وأن توجه نظام الأسد نحو نظام الحمدين يعمق أزمته، ولا يسهم فى فك عزلته بأى حال!.
هناك من يقول إن قطر تريد غسل سمعتها التى التصقت بدعم الإرهاب عبر تقديم الدعم للنظام السورى، ولكن الجرائم التى ارتكبها النظام القطرى فى دعم الإرهاب لا تقتصر على سوريا، بل تشمل دول أخرى عدة لن تبقى مكتوفة الأيدى حيال جرائم لن تسقط بالتقادم!.
قناعتى أن نظام الحمدين سيكون ضحية للعبة الخطرة التى يمارسها والتى أوقعته فريسة بين المتنافسين الإقليميين والدوليين على المصالح والنفوذ فى سوريا وغيرها، وما يسهم فى تعميق هشاشة موقفه أنه فقد حاضنته الخليجية والعربية بسبب سياساته الطائشة ورهاناته الخائبة على قوى إقليمية ودولية تحمى النظام من السقوط، ولم يفطن إلى أن تلك الحاضنة كانت أهم وأكثر حصانة ومناعة ممن رأى فيهم حلفاء مخلصين مثل نظام الملالى فى إيران والرئيس التركى الذى يواجه مصاعب جمة قد تفضى إلى نهاية قبضته السلطوية على الحكم فى تركيا.
ثمة موقف آخر لافت لنظام الحمدين حيال الاتفاق النووى الموقع بنى مجموعة "5+1" وإيران، حيث قال وزير الخارجية القطرى إنه يؤيد مقترح الرئيس الفرنسى بشأن وجود اتفاق تكميلى مع إيران" وقال "قد لا يكون الاتفاق تناول كل الجوانب والمخاوف التى لدى تلك الدول، ولكن وجود اتفاق بحد ذاته هو أمر مهم جدا. فالآن إذا كان هناك انسحاب أحادى من قبل الولايات المتحدة فنتمنى أن يبقى مثل هذا الاتفاق وأن يكون هناك تعزيز لتلبية المخاوف الأخرى التى لدى الولايات المتحدة أو دول الخليج التى كان لديها أيضا بعض التحفظات، ولكن ذلك لا يكون إلا من خلال المفاوضات"، وهو موقف مناوئ لموقف إدارة الرئيس ترامب ويتماهى مع موقف الثلاثى الأوروبى ـ بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
بمرور الوقت بدأت تتضح بعض الحقائق، ومنها أن نظام الحمدين كان يدرك مبكراً عواقب موقفه الكارثى، ولذا كان يدفع بسخاء من أجل استمرار الدعم الأمريكى لموقفه، حيث كشفت تقارير صحفية غربية مؤخراً أن قطر اشترت العديد من الشقق فى برج ترامب فى نيويورك آخرها فى يناير الماضى بمبلغ 5ر6 مليون دولار، ليصبح عدد الشقق التى تمتلكها البعثة القطرية لدى الأمم المتحدة إلى 4 شقق دفعت فيها نحو 5ر16 مليون دولار!.
هل تفلح لعبة نظام الحمدين فى شراء صمت الولايات المتحدة والإبقاء على العلاقات مع نظام الملالى؟ شخصياً اتشكك بشدة فالنظام القطرى ينزلق بسرعة البرق إلى هاوية لن يفلح فى الخروج منها!.
* كاتب إماراتى