بالأمس تناولت قصة نجاح ومثابرة، بطلها صديقى الشاعر عادل سلامة، الذى اكتشف بحسه الفنى المرهف موهبة العازف «وحيد سعد»، عازف الترومبيت، الذى كان يعزف فى الشارع ساعيًا وراء «أكل العيش».. سرعان ما حول هذه الموهبة المتجولة إلى موهبة صاعدة يشار إليها بالبنان بمجهود فردى، وإحساس شخصى بالمسؤولية الفنية، وللأسف لا نجد فى حياتنا العادية أمثال «عادل سلامة» كثيرًا، فتضيع مئات المواهب فى الزحام، ولا نستفيد من طاقتنا الفنية المتناثرة، فنخسر الحاضر، ونخسر التاريخ، ونضيع فى المستقبل، فى حين أن هناك الكثير من الدول التى لديها من المواهب أقل من القليل، لكنها مع هذا تحسن استخدامها، وتحسن فن الترويج لها، فتظهر فى صورة أبهى وأكثر إشراقًا.
هنا أعيد التذكير بما اقترحته على الدكتورة إيناس عبدالدايم فى سلسلة المقالات التى كتبتها لها بعنوان «فكرة لوزيرة الثقافة»، وتحديدًا فكرة رقم «13» التى طالبتها فيها بإنشاء نوادٍ للموسيقى فى المحافظات المختلفة، فالموهوبون فى الموسيقى يعانون بشكل أكبر من أى موهوب فى أى حقل إبداعى آخر، هذه حقيقة تقترب من أن تكون «مسلّمة»، فتخيل معى أن ابنك يحب الموسيقى ولا يمتلك صوتًا جميلًا، فماذا سيفعل من أجل أن ينمى هذا الحب؟.. الإجابة هى لا شىء يذكر، وهذا الـ«لا شىء» يتضخم ليصبح «مستحيلًا» إذا كنت من سكان الأقاليم، فإن كنت من سكان العاصمة مثلًا فلا يتوافر لغالبية سكان القاهرة مكان قريب لتعليم الموسيقى، لأن أماكنها محدودة للغاية، وتتركز غالبيتها فى «وسط البلد»، مثل معهد الموسيقى العربية أو دار الأوبرا أو بيت الكمان الكائن فى معهد الموسيقى العربية، أو بيت العود فى حى الحسين، وتخيل معى أنك تريد أن تعلم ابنك مبادئ الموسيقى، فماذا ستفعل؟، ستصحبه مرتين فى الأسبوع إلى وسط البلد، لتعانى فى الذهاب وفى الإياب، وفى الانتظار حتى تنتهى محاضرته، وهو أمر إن فعلته مرة فلن تفعله ثانية، وإن فعلته شهرًا فلن تفعله آخر.
وحلًا لهذه الأزمة، اقترحت أن ننشئ على الأقل بيتًا موسيقيًا فى كل محافظة، على أن يتولى هذا البيت تعليم الموهبين من أهل هذه المحافظة عزف الآلات الموسيقية الرئيسية، وأن ترعى وزارة الثقافة نوادى الموسيقى التى يقيمها القطاع الخاص، وأن تدعمها سنويًا، وتقيم مسابقة للتنافس بين هذه البيوت فى جميع مجالات الموسيقى، وتكون من نصيب الفائز منحة سنوية تقدمها الوزارة، سواء من موازنتها أو من أى جهة مانحة تتفق معها الوزارة، فمؤسسات الدولة ملك للشعب، وإن لم تعمل تلك المؤسسات عند الشعب فلا خير ولا فائدة من تلك الأموال التى تجنيها مصلحة الضرائب لتنفق على موظفين لا يعملون ولا يعلمون.