هل لديك أقوال أخرى؟.. سؤال يسطره أمين الشرطة فى نهاية المحضر كإجراء طبيعى، وتكون إجابة محرر المحضر فى الأعم الأغلب بالنفى.
نعم.. "لدى أقوال أخرى"، حال كثير من السجناء، الذين التقيتهم في جولات مكوكية داخل السجون، باعتبارى محرراً للشئون الأمنية حيث زرت كثيراً من السجون.
التقيت على مدار عدة سنوات عددا كبيرا من السجناء ، تجاذبت معهم أطراف الحديث ، تحدثنا عن سر دخولهم السجن ، وحصلت على تفاصيل وقصص مثيرة لم تسطرها المحاضر الرسمية ، التى لا ينبغي أن تسجل هذه الأمور باعتبارها عبارات ندم وحسرة لا تسمن ولا تغنى من جوع فى المحضر الرسمى الذى يهتم بتسجيل المعلومة .
بعيداً عن المحاضر الرسمية، إذا جلست مع سجين عقب ارتكابه للجريمة، تكتشف أنه من الممكن أن نكون جميعاً ـ أنا وأنت ـ مكان هذا السجين ، فقد مر علينا نفس الموقف والمشهد ، إلا أننا تجاوزناه ، بالصبر والحلم تارة ، وبتغليب العقل تارة أخرى ، لذا مازلنا خارج أسوار هذا السجن، بينما السجين الذين يقف أمامك، لم يمتلك نفس الأدوات، فضعف في لحظة ما، أمام شيطانه، وانساق خلف وساوسه، فكانت النتيجة الطبيعية وجوده خلف أسوار السجون.
نعم.. هي لحظة فارقة في حياة الإنسان، تحدد مكانه، داخل أو خارج هذه الأسوار العاتية للسجون، فلا تتعجل ولا تتسرع ، لا تغتر في موقف ما ، وتأكد أن تنازلك عن بعض الأمور ، والتعامل بهدوء وحذر، ليس بالضرورة ضعف منك ، وإنما هي القوة التي تحميك من غيابات السجون .
دعني أنقل لك بعض ما سرده لي السجناء خلف أسوار السجون ، ما بين شخص تشاجر مع جاره ، وفي لحظة غضب استل مطواه فأسكنها بطنه ، ليصبح في لحظة قاتلا ، ويقطن السجن سنوات عديدة ، وأخرى قادها العند مع زوجها لتأجير بلطجية لسرقة شقته فلم يسرقوا فقط وإنما قتلوا فدخلت برفقتهم السجن ، وها هو شاب قد ضعف ـ في لحظة ما ـ أمام أصدقاء السوء ، فتعاطى الهيروين ونقله من مكان لآخر ليقضى ربع قرن من عمره خلف أسوار السجون.
هؤلاء الأشخاص لم يمنحوا عقولهم برهة من الوقت للتفكير في مواقف قد نتعرض لها جميعاً، وربما لو حدث ذلك ، لانتهت هذه المواقف الحياتية بالصفح والعفو ، وإعلان التمرد فى وجه صديق سىء أو شيطان يوسوس، ووقتها لم ولن يكن مكانهم السجن.
إذا سألت هؤلاء الأشخاص بعد دخولهم السجن ، هل لديك أقوال أخرى لكانت الإجابة " نعم " لدينا كثير من الأقوال ، فنحن نادمون على ما اقترفنا في حق أنفسنا ومجتمعنا ، ليت الزمان يعود بنا مرة أخرى ، فنفعل غير الذى كنا نفعل.