الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وبعد..
فما زال حديثنا متواصلًا عن حِبِّ رسول الله وابن حِبِّه، أسامة بن زيد، والدرس الأهم من حياة أسامة سطره لنا النبى، صلى الله عليه وسلم، فى آخر أيام حياته، حيث اختاره لقيادة الجيش، وعقد له اللواء بيده، وبين آداب الحرب فى الإسلام، قائلًا: «.. اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة.. »، وتظهر الاعتراضات على وجوه بعض المسلمين لحداثة سن أسامة، فالناس لم تعتد تمكين الشباب وتقديمهم بعد، وتصل الأنباء إلى سمع النبى، صلى الله عليه وسلم، فينزعج لذلك وقد كان مريضًا مرض الموت، إلا أنه يخرج بعد أن عصب على رأسه عصابة ويتحامل على نفسه ويصبر على آلامه، ويصعد المنبر ويقول: «يا أيها الناس، فما مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأميرى أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم فى إمارتى أسامة لقد طعنتم فى إمارتى أباه من قبله، وأيم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلىّ، وإن هذا لمن أحب الناس إلىّ، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيرًا؛ فإنه من خياركم»، كلمات تتحرك لها قلوب الصحابة، حتى قال الزهرى، كان أسامة بن زيد يخاطَب بالأمير حتى مات، يقولون: بعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويبدأ أسامة فى تجهيز الجيش ويعود المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرهم بإنفاذ بعث أسامة، ويشتد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل مسرعًا إلى المدينة ويقول: «فدخلنا عليه وقد صمت فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها على فعلمت أنه يدعو لى»، ويعود أسامة إلى معسكره بالجُرْف، وبينما يستعد للخروج يأتيه رسول من قِبَلِ أمه تخبره باشتداد المرض جدًا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبوعبيدة بن الجراح، وينتقل النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى ويرجع المسلمون الذين عسكروا بالجُرْف إلى المدينة، وينشغل المسلمون بالصدمة الكبرى، ثم بمن يتولى أمر المسلمين، وتتطور الأحداث، ويرتد نفر من الأعراب، ويرفض آخرون إيفاء الزكاة، ويستعد الأعداء لمهاجمة المدينة المنورة ظانين أن الوقت مناسب جدًا للقضاء على المسلمين، ويستشعر الناس الخطر الجسيم، ويدخل كبارُ الصحابة على أبى بكر قائلين: «يا خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئًا، اجعلهم عُدّة لأهل الردة ترمى بهم فى نحورهم، لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذرارى والنساء، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بِجِرَانِه، وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة، حينئذٍ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا»، فيرفض خليفة المسلمين هذا العرض رفضًا تامًا، ويقول هل منكم أحد يريد أن يقول شيئًا؟ قالوا: قد سمعت مقالتنا، فقال والذى نفسى بيده لو ظننت أن السباع تأكلنى بالمدينة لأنفذت هذا البعث ولكن خصلة أكلم أسامة فى عمر يخلفه يقيم عندنا، وخرج أبوبكر رضى الله عنه يشيع الجيش بنفسه ويركب أسامة من الجرف، ويسير أبوبكر رضى الله عنه إلى جنب أسامة، فقال أسامة: يا خليفة رسول الله، والله لَتَرْكَبَنَّ أوْ لأنْزِلَنَّ، فقال أبوبكر: والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما علىّّ أن أُغَبِّرَ قدمَىّ فى سبيل الله ساعة، ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إنى سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنى لست آمرك ولا أنهاك عنه، وإنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم مال عليه، وقال: إنْ رأيْتَ أنْ تُعيننى بِعُمَر فأذن له بالبقاء معى، فأذِنَ أُسامةُ لِعُمَر.