أشعر بالضيق والغضب والاستفزاز، كلما سمعت أو قرأت شيئا للدكتور سعد الدين إبراهيم، وأكبح جماح قلمى حتى لا أتورط فى الكتابة عنه، ولكن هذه المرة لم أستطع أن أتغاضى عن تصريحاته التى يقول فيها، إن مبادرته للصلح مع الإخوان مستمرة، رغم تورطهم فى اغتيال النائب العام هشام بركات، وإن إعلان الداخلية إدانة الإخوان يعرقل المصالحة، ولكنه مستمر فيها حقنا للدماء.
استمر.. فقد كتب علينا الوجع مرتين، من تساقط الشهداء على أيدى تلك الجماعة الإرهابية، ومن مدلسى المبادرات الزائفة، التى لا هدف من ورائها، إلا إعطاء غطاء زائف للقتلة، الذين لم يراعوا وطنا ولا دينا ولا شبابا، يدفع حياته ليحيا الوطن، بينما الدكتور سعد يطرح مبادرات شيطانية، تنتصر للقاتل وخنجره وتجهض حق الشهيد فى القصاص العادل، ويتسلح بالبرود والاستفزاز ومشاعر العدم، رغم إدراكه التام أن المصريين جميعا ضده، لأنه يصفع مشاعرهم الوطنية، ويبرر أسوأ الجرائم التى عرفتها البشرية.
كان سعد الدين ضيفا على برامج التوك شو فى اليومين الأخيرين، وسمع بأذنيه من المشاهدين المتابعين، كلاما يصل إلى حد الثورة، وأنواعا مختلفة من النقد وصلت إلى حد الشتائم والسب، والتشكيك فى هويته وجنسيته ووطنيته، وقابل كل ذلك ببرود يصل إلى درجة الثلج، بل إنه شكر من قذفوه بعبارات أشد قسوة من الحجارة المدببة، وكنت أتصور أنه سيغضب وينفعل ويلقى المايك فى وجه المذيع أو حتى على الأرض، ويغادر البرنامج ردا لكرامته، ولكنه لم يفعل ذلك، واستمر وزاد برودا على برود، وهو يزعم أنه داعية، وأى داعية فى التاريخ تعرض للهجوم، حتى الأنبياء والرسل!
إصرار سعد على الاستمرار، رغم اللكمات والضربات والإهانات، لا يمكن تفسيره إلا بأحد أمرين، إما أنه لا يدرك ما يقول، وبالتالى لا يسمع ما يسمع، أو أن حواسه يقظة لدرجة أنه فقد الإحساس بالزمن، فصار يخلط أحداث الماضى بالحاضر، ظنا منه أنه يقدم عربون محبة للإخوان، وفاتحا لهم ثغرة تعيدهم إلى الحياة، على أجنحة مبادرته التعيسة، التى تثير مليون علامة استفهام.
توقيت المبادرة محفوف بالشبهات، فهى تأتى فى وقت تخوض فيه الجماعة الإرهابية حربا متعددة الجبهات، بتكثيف العمليات الإرهابية فى سيناء، وتخريب الاقتصاد الوطنى بالعبث بالدولار، وليس أمامى إلا أن أصدق أن أعضاءهم فى دول الخليج ينتشرون كالجراد لجمع الدولارات من المصريين العاملين فى تلك الدول، بأسعار فلكية حتى لا يرسلوها إلى مصر، فتفقد موردا من أهم مصادر النقد الأجنبى، المتمثل فى مدخرات المصريين بالخارج، ثم يكافئهم سعد بمبادرته المثيرة للشبهات.
سعد لم يكن يوما داعية لصالح بلده، بل ضدها على طول الخط، من زمان حين أرسله عبد الناصر فى الستينيات، لبعثته الدراسية فى أمريكا مع كوكبة من دارسين صاروا بعد ذلك نجوما، انفرد سعد بالهجوم على مصر والثورة، مما اضطر عبد الناصر إلى سحب الجنسية عنه، ثم أعادها له السادات، وانقلب عليه سعد، فخرج السادات معترفا بخطئه فى العفو عن سعد، أما أيام مبارك فقد قويت شوكته، وأصبح محميا بنفوذ الأمريكان.
سعد يحاول من جديد أن يمنح الإخوان قبلة الحياة، ويقول إنه يلعب دور «الخاطبة» بين الإخوان والأمريكان «يعنى زى نيللى فى فوازير رمضان زمان»، لكنها فزورة سخيفة ومشبوهة ومشمومة، وتنطق كفرا وزيفا وبهتانا.. ألم أقل لكم إن الكتابة عن سعد تجلب الضيق والعكننة والاستفزاز.. سامحونى إنها الأخيرة التى أكتب فيها عنه.