كيف يراقب النائب وزيرا يجرى وراءه؟
بعد مجهود ضخم فى مناقشة اللائحة قرر مجلس النواب الموقر الحصول على إجازة برلمانية طويلة للبحث عن الذات، الموقر لم يناقش أى تشريعات وانشغل باللائحة، وميزات وامتيازات، ولعب وحاجات والأهم التأشيرات، حيث أبدى النواب غضبهم من التأشيرات المضروبة التى يحصلون عليها من الوزراء، وبعضهم صرخوا وهددوا الوزراء بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا استمرت التأشيرات المضروبة.
والتأشيرات هنا لا تتعلق بمشكلات عامة، بنية أساسية أو خدمات نقل وكهرباء، لكنها طلبات خاصة بالناخبين أو الأقارب أو المعارف أو المحيطين أو المقربين، تتعلق بالعلاج أو التعيين، وهى طلبات تفتح أبواب القيل والقال وكثرة السؤال وتجعل أداء النائب وعلاقته بالحكومة مربوطة بمدى حصوله على تأشيرات حقيقية ومصالح مباشرة.
هذه الطلبات استثنائية، تمثل تداخل مصالح و«شيلنى وأشيلك»، حيث يصمت النائب على الوزير مقابل تأشيرات، بفرص عمل أو خدمات أو تصريح فرن، ثم إن هذه الطلبات أحيانا تتحول إلى تجارة وتفتح أبوابا للفساد والمحسوبية، وأخطرها طلبات التعيين التى يطلب النواب توقيعات الوزراء عليها، ثم يتضح أنها مضروبة غير قابلة للتنفيذ.
هنا نحن أمام كوميديا غرائبية، فالنائب من الطبيعى أنه يراقب ويحاسب الوزراء، يحصل منهم على توقيعات بعضها يتعلق بوظائف وطلبات فردية تكسر تكافؤ الفرص وتحرم من لايستطيع الوصول للنائب ومن لا يملك واسطة.
ثم إن الوزارات الغنية مثل البترول والكهرباء تكون أمام طلبات مكلفة، والوزراء يحصنون أنفسهم من النواب بتوقيع الطلبات، لنجد أنفسنا أمام نظام طالما طالبنا ويطالب الجميع بتغييره، يجعل الواسطة والمحسوبية أساس العمل بين النواب والوزراء، لدرجة أن ينتفض وكيل البرلمان ويهدد الوزراء بأن التأشيرات المضروبة ليست من حسن الفطن، بينما لا ينتفض الوكيل من تأخر التشريعات، أو يبدى قلقًا من استمرار أوضاع استثنائية وخدمات تخصيصية تدمر أى مفهوم للعدالة.
وإذا كان هذا هو حال مجلس النواب فلا يمكن توقع أن ينشغل بالتشريعات أو يهتم بالعدالة وتكافؤ الفرص، ونحن أمام نواب متفرغين للحصول على التوقيعات، واللف على الوزارات والمسؤولين، ويأتى التشريع والرقابة فى ذيل الاهتمامات.
الحقيقة المرة أننا أمام نواب غير متفرغين لا ينشغلون بالتشريع، بقدر ما تشغلهم المصالح والخدمات، ويركزون على الاستثناءات.
وهنا نعود إلى نقطة الصفر بسرعة الصاروخ، لأن النواب أنفسهم يساهمون فى فرض الظلم، ويضعون أنفسهم تحت أيدى الحكومة، وهو ما ينسف الفصل بين السلطات بالتأشيرات.