عندما تهب الرياح على السفينة وتترنح رغم كل الاحتياطات والتدابير التى اتخذها طاقم السفينة، وخصوصا الربان، نجد مستقليها يهرولون فى كل اتجاه، فى محاولة للبحث عن مخرج مناسب من كارثة الرياح التى «جرت بما لا تشتهيه السفينة»، هرولة هنا، وهرولة هناك، ثغاء وضجيج، رعب يلمع فى العيون، والربان الماهر هو الذى يتحلى بالهدوء ويحاول الخروج بأقل الخسائر، أما الربان الأهوج فإنه يهلك نفسه ويهلك غيره معه.
فى قيادة سفينته يشبه تامر عبد المنعم الربان من النوع الأخير، ففى فيلم «المشخصاتى 2»، خاض معارك ضارية ضد الرقابة من أجل عرضه، اتهام هنا وتصريح هناك ضد جهاز الرقابة على المصنفات- وهى بالمناسبة معركة تحسب له لا عليه - حتى حقق حلم خروج الفيلم للنور، لتأتى الرياح بما لا تشتهى سفن تامر وتتجلى ضحالة الفيلم سواء على المستوى الفنى أو التجارى، وكأن الرقابة كانت تدق له ناقوس فشله.
تامر الذى اعتقد أن فيلمه «هيكسر الدنيا»، فقد بعدها عقله فى وصلة تصريحات تنم عن مدى تخبطه من هول الصدمة، فهو يرى أن الإخوان والثوار معا ضد الفيلم، فإذا افترضنا صحة قوله، فمن بقى إذن فى مصر ليس ضد الفيلم يا تامر؟ وهل للناس فى مصر تصنيف الآن سوى: إما ثوار وإما إخوان؟ «قطبا مغناطيس» آه.. نسيت هناك أيضا النوع الثالث وهم من يسمون بجماعة حزب الكنبة، بل رابع: أنصار مبارك، ولن أسميهم الفلول حتى لا «تزعل»، صحيح لماذا لم تكتظ بهم قاعات الفيلم وجعلوه يكسر الدنيا؟
ويواصل تامر مفارقاته بدليل دامغ، حسب اعتقاده، بأن سقوط الفيلم يعنى أن الرأى العام إخوانى، إيه يا عم تامر «أنت مش فى مصر ولا إيه، إيه الكلام اللى بتقوله ده يا عم؟ يعنى أنت عايز تقول إن جماعة الإخوان مازالت توجه التسعين مليون مصرى بعد كل ما حدث فى مصر 30 يونيو ونبذ الشعب لها وأعمالها الإرهابية؟» نعم، إذن الإعلام المصرى فشل فى إقناع الناس بـ30 يونيو، ماذا تقول يا عم تامر، ماذا تقول؟
ويتمعض المشاكس من نقد الجمهور للفيلم: «إن منتقدى الفيلم لم يشاهدوه من الأساس»، مضيفا: «إذا كان رأى المهاجمين للعمل أنه فيلم تافه وضعيف والفن الذى أقدمه هزيل وهابط ولا قيمة له.. فلماذا لا يتركون الفيلم وشأنه؟.. ما الشىء الذى يغيظهم فى العمل ويدفعهم للهجوم عليه فى السينمات؟». بالطبع نحن ضد الهجوم على أى عمل فنى وانتهاج العنف ضده- سواء كان منتجا كتابيا أو مرئيا، لكن ليس فى قواميس العمل الابتداعى عموما ما يسمى ترك المنتج وفنه دون تذوق منتجه ونقده سواء بالإيجاب أو السلب، فالنقد والإبداع لصيقان لا ينفكان عن بعضهما، ومن حق الجمهور أن يتجاوب مع أى عمل يروق له أو ينبذ أى عمل لا يحترم عقله ويستخف به فهو حق أصيل له، طبعا دون خروج على النص أو باستخدام العنف، لذلك وجدنا مبدعين كبارا كتابا ومخرجين وممثلين يراهنون على تفاعل الجمهور مع عملهم، لأنه ببساطة العمل أصبح ملكا لهم بعد خروجه للنور، خصوصا إذا أخذنا فى الاعتبار نظرية «موت المبدع أو المؤلف»، ولم نجد أبدًا أحدًا منهم هو من يبدع وينقد أو يقول لا شأن لأحد بأعمالى أو «اللى مش عاجبه الفيلم يخبط دماغه فى الحيط» مثل تامر.
يا تامر.. القصور عندك أنت، والحق أقول إنه ربما لا يكون قصور موهبة بقدر هو سوء تقدير الأمور، خاصة فيما يتعلق بالشق السياسى عندك.. وللأسف فإن العم تامر لم يكن أبدًا معروفا كفنان بقدر ما عرف كمعادٍ لطموحات الشعب، والوقوف فى وجه أحلامه خاصة بعد 25 يناير، عُد إلى المواقع الإخبارية وأحصِ التعليقات على صوره مع مبارك، وتصريحاته المستفزة ضد يناير وتسفيهها، وللأسف لا يستطيع تامر أن يفصل بين عمل إبداعى يرقى للناس وبين موقف شخصى يتشبث به، الناس لم ترفض فيلمك فى الحقيقة إلا لأفعالك الـ«دون كيشوتية ».
وللإنصاف فإن تشبثك بموقفك- مهما يكن- يحسب لك لا عليك، فصاحب أى مبدأ، وإن كان شاذا عن المألوف، يجب أن يكونوا موضع احترام، لكن عليهم أيضا أن يتحملوا تبعات مواقفهم.
يا تامر.. القاعدة معروفة: من يرض كل الناس فهو منافق، ومن يغضب كل الناس فهو أحمق، فاختر لنفسك.
آه.. نسيت أن أقول لك: أنت لم تعتزل أصلا لكنك «عُزلت».