المسؤولية ليست سهلة وفى غاية الصعوبة
من أكثر الملفات الشائكة فى مصر هو ملف أراضى الدولة التى يستولى عليها أصحاب النفوذ ومسؤولون سابقون وحاليون وبرلمانيون ورجال أعمال وهيئات حكومية وتعاملوا معها كأنها أملاك خاصة فى ظل غياب رقابة أجهزة الدولة وفسادها وتواطئها مع مافيا الأراضى. هذا الملف من أخطر ملفات الفساد فى مصر وربما هو أخطرها على الإطلاق لأنه يتعلق بقضايا فساد واضحة وثابتة، ولكنها فى الوقت ذاته متشابكة ومعقدة وتتداخل فيها جهات عديدة وقرارات رسمية كثيرة وليست هناك قوانين محددة تعاقب من يستولى على أراضى الدولة أو يعيد استغلالها والانتفاع بها بغير وجه حق، وتحت حماية قرارات وقوانين صدرت فى سنوات سابقة. وليس هناك حجم محدد لقيمة المبالغ المهدرة والضائعة على الدولة بسبب ملف مافيا أراضى الدولة، الرقم الوحيد المعلن عن قيمة الأموال الضائعة فى أراضى الصحراوى سواء مصر الإسكندرية الصحراوى أو السويس أو الإسماعيلية، وقدرت هذه الأموال بحوالى 140 مليار جنيه من المفترض استردادها من أصحاب النفوذ ورجال الأعمال والهيئات الأمنية، والأسماء معروفة وتم نشرها ولم يعد هناك شىء خافيا والمسألة تحتاج إلى إرادة سياسية قوية للانتهاء من ملف أراضى الصحراوى، إما بالتسوية أو استرداد الأراضى وفى مدة زمنية محددة. وفى فبراير الماضى صدر قرار جمهورى بتشكيل لجنة، برئاسة المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، تختص باسترداد أراضى الدولة المنهوبة، وتضم فى عضويتها وزير التنمية المحلية، ومساعد الرئيس لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب، وممثلين من وزارات العدل والدفاع والمالية ومن المخابرات العامة والرقابة الإدارية والشهر العقارى والمساحة والأموال العامة.
اللجنة وفقا للقرار ستقوم بحصر كل الأراضى التى يثبت الاستيلاء عليها بغير حق واستردادها بالطرق القانونية، وحصر الديون المستحقة للجهات صاحبة الولاية على الأرض وتصنيف المدينين لهذه المستحقات، فضلاً عن التنسيق مع الجهات صاحبة الولاية بشأن إجراءات استرداد الأراضى، وفى أى صورة كانت وفقاً للقوانين المنظمة لكل جهة من جهات الولاية على الأراضى، وإعداد التقارير اللازمة التى تتضمن السلبيات التى أدت إلى الاستيلاء على أراضى الدولة، واقتراح الحلول للحيلولة دون تكرارها مستقبلاً، مع إخطار جهات التحقيق بكل الجرائم المتعلقة بها.
المسؤولية الملقاة على عاتق المهندس إبراهيم محلب ليست سهلة بالتأكيد بل تكاد تكون مهمة غاية فى الصعوبة وليست مستحيلة، فليس هناك مستحيل لاسترداد أملاك الدولة من الأراضى المنهوبة إذا كانت هناك إرادة سياسية وشفافية فى التعامل مع هذا الملف، لأنها بمثابة حرب حقيقية ضد «حيتان الفساد» و«مافيا أراضى» تتفوق فى نفوذها على مافيا السلاح والدواء والمخدرات، لذلك فهى مهمة معقدة وصعبة.
والبعض قد يشكك فى إمكانية اللجنة وقدرتها على استرداد كل أملاك الدولة، سواء كانت أصولا أو أموالا، وهنا يبدو التحدى أمام اللجنة ورئيسها المهندس إبراهيم محلب المشهود له بالكفاءة والنزاهة، فهل يستطيع المواجهة مع رجال النظام السابق مثلا يستولون على 155 ألف فدان بطريق الإسكندرية الصحراوى.. ومع حوالى 22 شركة تحصل على 700 ألف فدان بالمخالفة للقانون، أو مع هيئات حكومية وأمنية وعسكرية ينطبق عليها قرارات اللجنة؟! وهل سيعاد النظر فى كل القرارات التى صدرت فى الماضى ومنذ الثمانينيات، ومنها قرارات جمهورية بشأن التصرف فى أملاك الدولة من الأراضى؟!
هل ستطبق اللجنة قراراتها لاسترداد الأراضى بدون استثناء وأكرر بدون استثناء، أم أنها ستصطدم بمن يملك النفوذ الأقوى من نفوذها وسلطاتها؟ المهندس إبراهيم محلب فى اجتماع اللجنة الأخير يوم 8 مارس الجارى أعلن أنه «لا تراجع عن مواجهة مغتصبى الدولة» فى الصحراوى وفى كل محافظات مصر ودون استثناء، وهى تصريحات تبدو مطمئنة، وسوف نذكر المهندس محلب بهذه الجملة حين تنتهى اللجنة من أعمالها، التى أتمناها لجنة دائمة لحماية مصر من مافيا ولصوص الأراضى بكل أشكالهم.