مصر دائما ولادة لأنها تنجب للعالم كثيرا من الرجال العظماء من علماء وأدباء وأطباء ومؤرخين، والكل يتميز فى مجاله، لكن عندما يجتمع العلم والأدب والطب والتاريخ معاً فى رجل واحد فلا بد وأن يلقب هذا الرجل بابن مصر البار.. إنه الدكتور وسيم السيسى الباحث القبطى الشهير فى علم المصريات دكتور المسالك البولية، الذى يأخذنا معه فى رحلة طويلة عبر التاريخ، ويسافر بنا إلى الماضى البعيد لنتعرف على عظمة أجدادنا المصريين القدماء ونتعلم من حضارتنا المصرية القديمة كثير من العبر والدروس..
حقا إن هذا الرجل علم من أعلام مصر، ويستحق أن يكون حديث مصر والعالم لثقافته وعمق فكره وعلمه الواسع، ولا شك أنه رجل وطنى من الدرجة الأولى يعشق مصر وتاريخها، وينظر إلى شعبها بمنظور أنهم أحفاد المصريين القدماء، ويتجرد من أى نزاع طائفى أو مذهبى، فهو صاحب فكر متسع ولا يعرف شيئا اسمه العنصرية، ومصر عنده هى الأصل والأساس وهى البداية والنهاية.
دائما يبهرنا ويفاجئنا بتصريحاته التى تجعلنا نفخر بمصريتنا ونعتز أننا أحفاد للمصريين القدماء.. ففى أحد البرامج خرج علينا الدكتور وسيم معلناً عن تصريحات قوية، حيث تحدث عن تمثال الحرية الموجود فى الولايات المتحدة الأمريكية فى ولاية نيويورك معلناً أنه كان فى الأصل تمثال لفلاحة مصرية، وقال إن الخديوى إسماعيل عندما كان يحكم مصر طلب من نحات فرنسى يدعى فريدريك بارتولدى أن يصنع تمثالاً بطول 100 متر على شكل فلاحة مصرية تحمل مشعلا بيدها اليسرى، ليشير التمثال إلى مدينة بورسعيد عند وضعه بمدخل قناة السويس عند افتتاحها. وطلب أيضاً أن يرتدى التمثال قبعة رأس بها 7 فتحات لتتم إضاءتها، وتمثل الـ 7 بحار، واختار إسماعيل باشا اسم "تمثال الحرية" للإعلان عن استقلال مصر عن الخلافة العثمانية فى يوم افتتاحه للقناة.
النحات الفرنسى نحت التمثال بقياسات مختلفة بعض الشىء عن الذى طلبه الخديوى، وطلب أجراً ضخما فى الوقت الذى كانت مصر مديونة فيه بسبب شق القناة، فلم يتمكن إسماعيل باشا من نقل التمثال البالغ فى ضخامته إلى مصر لأن سعر نقله كان 600 ألف دولار، فاشترت الحكومة الفرنسية التمثال من صاحبه وأهدته إلى الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة المئوية الأولى لحرب الاستقلال، التى حققت انتصارات فيها، لكن طلبت أمريكا إجراء تعديل على التمثال أبرزها نقل الشعلة إلى اليد اليمنى لتشير إلى مدخل مدينة نيويورك، وطلبت أيضا أن تضاف تعديلات إلى وجه السيدة الفلاحة وملابسها لتتحول إلى سيدة رومانية، لكن النحات نقل الشعلة إلى اليد اليمنى ورفض تعديل السيدة إلى رومانية لكى لا يفسد العمل الفنى.
وفى نفس البرنامج تحدث الدكتور وسيم عن أصول الكلمات العربية، حيث قال إن كلمة "مكة" فرعونية الأصل معناها الروح الأمين، مؤكدا أن الفراعنة هم من قاموا ببناء الكعبة، ولعل هذا التصريح يجعلنا نتعجب قليلا ولكننا لا نستطيع نفى ذلك لأن الكعبة بنيت من الملائكة أولا ثم رممت وأعيد بناؤها من عدة أشخاص فى عصور مختلفة منهم نبى الله إبراهيم وابنه إسماعيل.
وأضاف السيسى أن كلمة حجاز فرعونية الأصل تعنى المتجه إلى النور، مضيفا أن القدماء المصريين كانوا يحجون إلى الجزيرة العربية ومعبد أبيدوس جنوب سوهاج.. إلى جانب كل هذه المعلومات والثقافة فإنه فى برنامج آخر مدح النبى محمد عليه الصلاة والسلام واصفاً إياه بأنه كان شخصية غير عادية تطاع بما يوحى إليه من السماء، وأنصفه قائلا إنه رسول العدل والمساواة والإخاء والرحمة الذى استطاع توحيد العرب تحت راية الإسلام ونشر النور بين ربوع الدنيا، كما أعجبته رحمة النبى وعفوه عندما كان فى عز انتصاراته على كفار قريش فى غزواته قال لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء" هو العفو الحقيقى للمقدرة.
وروى السيسى أن هناك موقفا للنبى - صلى الله عليه وسلم - أثر فيه جداً عندما ذهب إلى إحدى القبائل لهدايتها فقذفوه بالحجارة وسبوه فعرض عليه الله بواسطة الملاك جبريل أن يسقط عليهم الجبلين فرفض النبى قائلا: لعل يخرج من نسلهم من يقول لا إله إلا الله، إلى جانب هذا أشار إلى مدح النبى لمصر وتوصيته بأهلها خيرا، لأنه كان يعرف قيمة مصر.
أدعو كل شخص يعرف ويقدر قيمة تاريخ مصر الحقيقية أن يتابع هذا الرجل ويقرأ كتبه ومؤلفاته، فهو له الكثير من المؤلفات عن مصر والمصريين القدماء.. من النادر أن نجد فى زماننا هذا شخص عميق إلى هذا الحد، يضيف لكل من يستمع إليه الكثير من الثقافة والعلم.