كيف نحل معضلة التعليم فى مصر ؟.. صباح الأربعاء الماضى اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى بأعضاء المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى، برئاسة الدكتور طارق شوقى، المشرف على الأمانة التنسيقية للمجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية، ودار الحديث- وفقًًا للبيان الرئاسى- على ما رآه الرئيس خلال زيارته الأخيرة لليابان فيما يتعلق بالشق الخاص بنظام التعليم اليابانى، واهتمامه بالجانب الأخلاقى والقيمى، وغرس روح العمل الجماعى فى نفوس النشء، فضلاً على بث قيم التحلى بالدقة والاتقان والانضباط وإبراز الجوانب الجمالية، بالإضافة إلى جودة المناهج الدراسية، وتعظيم دور المعلم الذى يمثل القدوة والمثل الأخلاقى والتعليمى للطلاب.
وفى المساء كنت مشاركًا فى لقاء مصغر بمنزل سفير كندا بالقاهرة، تروى لولاشنيك، دار حول التعليم أيضًا، لكنه عن التعليم الكندى، فالسفير انطلق فى حديثه عن عنوان يروجون له، هو «تصور أنك تدرس فى كندا»، شارحًا مميزات الدراسة هناك، فضلاً على رؤيته للتعليم فى مصر ومشاكله أيضًا، وقال إن كندا لديها نظام دراسة قائم على الكفاءات، مما يعد الطلبة ليكونوا منتجين فى أماكن العمل فور تخرجهم، كما تقوم الدولة بتمويل الجامعات والكليات والمعاهد الفنية الكندية التى تكون مسؤولة عن ضمان جودة التدريس والبحوث والمنشآت بها، كما أن مصاريف الدراسة وتكلفة المعيشة رخيصة مقارنة بالأماكن الأخرى التى تأتى فى ترتيب متقدم من حيث الدراسة بالخارج، معلنًا أنه خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر المقبلين سيقوم عدد من المؤسسات التعليمية الكندية بزيارة مصر، بغرض الترويج للروابط التعليمية فى كندا لدى المصريين، وإجراء مقابلات مع الطلبة وأولياء الأمور والمستشارين لشؤون الطلبة، وغيرهم من المعنيين بالاستفادة من الخبرة التعليمية فى كندا.
هل الدولة قادرة على الارتقاء بالتعليم ؟.. ما بين الاجتماع الرئاسى فى الصباح، وحديث السفير الكندى فى المساء يتأكد لنا أهمية الحديث عن مستقبل التعليم، خاصة فى مصر، فالقضية ليست رفاهية بالنسبة لنا، بل هى قضية أمن قومى، تستدعى التخطيط الجيد لها، ومحاولة الاستفادة من كل الخبرات والتجارب الدولية، ومنها بالطبع تجربة اليابان التى اطلع عليها الرئيس خلال زيارته لطوكيو، حينما زار مدرسة ودار حوار بينه وبين القائمين على التعليم هناك حول نظام التعليم اليابانى الذى يضمن استمرارية جودة النظام التعليمى، وتطبيق المنظومة الأخلاقية .
فى الاجتماع الرئاسى عرض الدكتور طارق شوقى عددًا من المشروعات المهمة، منها مشروع «المعلمين أولاً» الذى ينفذ بالتعاون مع منظمة اليونسكو بتمويل قدره 60 مليون جنيه مُقدَمة من صندوق «تحيا مصر»، وكذلك مشروع «بنك المعرفة المصرى» الذى تجاوز عدد زائريه منذ إطلاقه 8 ملايين زائر، و«المشروع القومى لتعليم مصرى جديد» الذى يهدف إلى تصميم نظام تعليمى جديد ومبتكر لتنشئة أجيال مصرية تمتلك مهارات القرن الحادى والعشرين، والقدرة على التعلم مدى الحياة، لكن السؤال الآن: هل تكفى هذه المشروعات أم أننا بحاجة لأكثر من ذلك؟
بالطبع نحتاج للمزيد، لأن النظام التعليمى فى مصر- للأسف الشديد- وصل إلى درجة من التدنى والترهل لم تعد خافية على أحد، والسبب فى ذلك ضعف المنظومة التعليمية بمجملها، بداية من المدرسة وصولاً إلى أعلى المستويات، مرورًا بالمدرس والأسرة والطالب والمناهج التعليمية، ومن المهم أن تكون لدى الدولة خطة شاملة للتعليم محدد المدة، تضع تصورًا كاملاً للمنظومة التعليمية، بداية من المناهج التعليمية والإمكانيات التى يجب أن تتوفر داخل المدارس والجامعات، وتأهيل المدرسين علميًا وماديًا بشكل يجعلهم قادرين على تأدية رسالتهم دون الحاجة إلى اللجوء للدروس الخصوصية على سبيل المثال لتوفيق أوضاعهم المادية، فإذا لم نوفر للمدرس حياة كريمة فلن نصل إلى الجودة التعليمية التى نتمناها.
ما التجربة الأقرب لنا؟.. أمامنا تجارب مختلفة ومتعددة لدول وضعت التعليم كقضية أمن قومى، وجعلته فى مقدمة المشروعات التى جرى التركيز عليها إلى أن وصلت إلى هدفها.. أمامنا اليابان وماليزيا وسنغافورة، وغيرها كثير، فالتجارب موجودة، ويمكن الرجوع إليها فى أى وقت والاستفادة منها، فكلها تجارب قابلة للتطبيق فى مصر لتشابه الظروف، وإذا كانت الإرادة السياسية موجودة، لكن تنقصنا الخطة التى تتلاءم مع إمكانياتنا، كما ينقصنا شىء مهام، هو أن تكون للدولة سياسية تعليمية واضحة المعالم، بحيث لا تتغير بتغير الوزير المسؤول، فليس مهمًا بالنسبة لى وجود وزارتين للتربية والتعليم وللتعليم العالى، بقدر أهمية وجود هيئة أو إدارة تضع سياسة للتعليم، وتعمل على تطبيقه وفق الخطة الزمنية الموضوعة التى لا تتغير بتغير الأشخاص، وربما يكون المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى هو الأقرب لهذا المقترح، لأن تشكيله يقضى على الأزمة التى نعانيها مع الوزارتين المسؤولتين عن التعليم، وهى أزمة «أهواء» كل وزير، والتى أوصلتنا إلى هذا المنحدر الخطير الذى يمكن اعتباره المسؤول الأول عن التدهور الأخلاقى الذى تعانى منه مصر.