أعادت واقعة محافظ القاهرة، اللواء خالد عبدالعال، للجدل قضية اختيار المسؤولين سواء الوزراء أو المحافظين ورؤساء الأحياء والمدن، وإعادة النظر فى أنظمة الإدارة المستمرة من عقود، وكما أشرنا فإن أى محافظ فى مصر لو وجهت له أسئلة عن أحياء وشياخات ومدن محافظته ربما لايمكنه الإجابة ولا معرفة دخل محافظته أو حدودها ومتطلباتها. وعليه فإن واقعة محافظ القاهرة كاشفة وتستدعى ضرورة التفكير فى طريقة اختيار المسؤولين، حتى يمكن أن يكونوا قادرين على تحقيق طموحات المصريين فى التنمية والتقدم، وليس فقط مجرد مسؤولين ينتظرون التعليمات ويحرصون على «التنطيط والتقافز» أمام الكاميرات.
ونعلم أن هناك مخططًا لتطوير الإدارة المحلية والحكومية تتبناه وزارة التخطيط من شهور. وطوال الوقت يعلن المسؤولون عن تضخم الجهاز الإدارى وتضاعف أعداد الموظفين بينما تتعطل مصالح المواطنين، وتظل الإدارة المحلية هى نقطة المركز والانطلاق لأى نوع من التطوير الإدارى. مع العلم أن الإدارة هى تراكم لعقود من الترهل أدت لما نراه من غياب للمحليات.
خلال السنوات الممتدة من الثمانينيات هناك حديث عن قانون للإدارة المحلية لم يرَ النور، ويتعثر فى دهاليز الحكومة والبرلمان بالرغم من الاعتراف بأن أى تقدم فى الإدارة يبدأ وينتهى من أصغر مجلس قروى إلى أكبر مجلس محلى. ومر عدد من وزاراء الإدارة المحلية، وكل منهم كان يدلى بتصريحات عن قرب إصدار قانون الإدارة المحلية، ويتغير الوزير ويبقى القانون معطلًا.
قانون الإدارة المحلية يفترض أنه ينظم انتخاب المجالس الشعبية المحلية، حيث تم الحكم بحل المجالس الشعبية التى شكلها الحزب الوطنى منذ 2011، ومن يومها ظلت المجالس الشعبية غائبة، بالرغم من أنها يفترض أن تكون هى البرلمانات التى تراقب وتحاسب وتتفاعل مع القضايا المحلية، ويمكنها فى حال تفعيلها أن تساهم فى مواجهة الفساد، وترفع عن كاهل الحكومة المركزية الكثير من الأعباء والطلبات التى تثقل كاهلها. ثم ان المجالس الشعبية هى مفرخة للقيادات الشعبية والبرلمانية.
ومعروف أن المحليات هى التى تحكم فعليًا فى الدول المتقدمة، حيث يكون لكل مدينة مجلس وعمدة، ممثلين فى مجالس المحافظات الكبرى، وهى التى تحدد أولويات العمل ولديها الإحصائيات والمعلومات الكاملة وأولويات العمل والاحتياجات. ويتم الاختيار بالانتخاب وبالتالى فإن الجمهور يحاسب المجالس ورؤساء المدن، ولا يمكن أن نجد محافظًا يجهل مشكلات الإقليم الذى يحكمه، أو عمدة يتخذ قرارات على عكس الإرادة الشعبية، ومن الصعب أن نجد محافظين غائبين عن واقع محافظاتهم، أو رؤساء مدن وأحياء يغرقون فى الفشل والفساد، ويتم تسيير مصالح المواطنين بتطبيق قوانين صارمة للبناء والهدم والتنظيم المحلى، وهو ما يجعل من الصعب تراكم الفساد بهذا الشكل الذى يوجد فى الأحياء والمدن والإدارات الهندسية التى تعمل بالمزاج وتعطل مصالح المواطنين ولا تفكر فى الاستثمارات أو الفرص أو المشروعات التى يمكن أن تساهم فى تنمية المحافظة أو المدينة.
ومن هنا فإن الضواحى فى أوروبا تبدو أكثر جذبًا للسكن أكثر من العاصمة التى تكون غالبًا أكثر فيما يتعلق بالإدارة السياسية. بينما الشؤون المحلية يصرفها العمدة المنتخب ومعه مجلس المدينة أو المحافظة.
الرسالة موجهة إلى المحافظين جميعًا وليس محافظ القاهرة وحده، وأغلبهم لايعلم الكثير عن محافظته. وعدد القرى والشياخات والأحياء التابعة له. والإمكانات التى تحتاجها أو القدرات التى تمتلكها، ونظرة على أحياء القاهرة وحجم الإهمال فيها تكشف عن أن المعلومات ليست فقط التى تنقص المحافظين، ولكن الكفاءة والإرادة، ويمتلك المحافظون سلطات لايستغلونها ولا يمارسون صلاحياتهم، وينصتون فقط لمحيطين يسيطرون على القرار.
ونعرف محافظين لايوقعون على أى طلب ولا يحلون أى مشكلة، ويدخل الواحد منهم ويخرج من دون بصمة أو تأثير. ولا يفكر المحافظ متابعة مركز المعلومات فى محافظته، أو مراجعة القضايا الجماهيرية، ويعجزون عن متابعة الفساد المستشرى فى الإدارات الهندسية وأكبر دليل أن الرقابة الإدارية تضبط بشكل دورى موظفين مرتشين وفاسدين لايكون المحافظ على علم بتفاصيل القضايا.
ربما تكون واقعة محافظ القاهرة بداية لتحرك حقيقى، وتغيير للمسؤولين بحثًا عن الكفاءة، لأن تجارب العقود الماضية كشفت عن فجوات فى عملية اختيار المحافظين تحديدًا، وهم يفترض أنهم ممثلو الدولة فى محافظاتهم. بحيث يكون المحافظ لديه شجاعة المتابعة والمراقبة، والجدية بالوقت ليعمل بالفعل، وليس بحثًا عن كاميرات وصور.